Atwasat

مفارقات وجب الوقوف عندها

آمنة القلفاط الإثنين 23 أغسطس 2021, 11:44 صباحا
آمنة القلفاط

يتسارع الناس في سعي دائم للوصول للأفضل في مجالات تطوير وسائل الحياة من أجل صحة نفسية وجسدية وعلاقات مجتمعية تربط بين بعضهم البعض، إنهم يطبقون العلم والنتائج البحثية والمعلومات الإحصائية المتوفرة في سبيل هذا الهدف. في حين يتمسك البعض في مناطق مختلفة أخرى في سبيل الحفاظ على مكتسبات هزيلة، مفسدة للبدن ومهدرة للمال العام دون دراسة جدوى، او مقارنة بما قدمته العلوم في هذا المجال. ولعل ما دفعني للكتابة في هذا المجال، كون الخبز هو هم شعوبنا الأول، وكونه في قمة الهرم الغذائي فهو دائما مبجل واسعاره خط أحمر لا يقبل المساومة. 

المناطق الزرقاء، هي المناطق الأكثر جذباً للاهتمام حول العالم، احتار الناس حول هذه المناطق وأصبحت مثار اهتمام البحاث في مجالات الصحة والغذاء والبيئة. يعيش الناس في هذه المناطق حياة معمرة، ويُعتبر تجاوز المئة عام أمرا طبيعيا للغاية، حيث يزيد احتمال العيش لأكثر من مئة عام في هذه المناطق عشرة أضعاف مثيله في الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً. 
ما يميز هذه المناطق مجتمعة، هو الدفء النسبي على مدار العام ووجود الشواطئ والبيئة الخضراء والعادات الاجتماعية والغذائية السليمة. والسؤال الذي حير الناس حول العالم هو، لماذا سكان هذه المناطق سعداء، منسجمون، متوسط أعمارهم عالٍ ولا يعانون امراض العصر مثل الضغط والسكر وأمراض القلب؟

في محاولة للإجابة على هذا السؤال، قام الباحث دان بويتنر العامل بمجلة ناشيونال جيوغرافيك برحلة لهذه المناطق لاكتشاف سر الحياة والسعادة. بعد عودته كتب كتابه "المناطق الزرقاء الحل" واصفاً في كتابه كيف يمكن أن تجد الحل لحياتك من خلال بناء مربعك الأزرق الذي تعيش فيه، وتُغير نمط وأسلوب حياتك. الأسلوب الأزرق للحياة، يعتمد على عادات وأسلوب حياة سكان المناطق الزرقاء وكيف نغير عاداتنا للأفضل ونحظى بحياة صحية، سعيدة ومعمرة.
نال الكتاب شهرة واسعة وتبنى أسلوب الحياة الجديد الملايين حول العالم وأصبحت المطاعم والمقاهي الناجحة هي التي تتبع منهج المناطق الزرقاء من حيث اختيار نوعية الطعام ومصدره، وتراجعت شهرة مطاعم الوجبات السريعة، لتحتل نوعية الطعام وجودته المرتبة الأولى.

رغم بعد هذه المناطق عن بعضها البعض فمن نيكويا في كوستاريكا، إلى سردينيا في إيطاليا، إيكاريا في اليونان، وكوماليندا في كاليفورنيا إلى أوكيناوا في اليابان، إلا أن جميع هذه المناطق تشترك في سمات عامة مثل نوعية الغذاء، الهواء الخالي من التلوث، التواصل الاجتماعي المرح، البيئة الخضراء المحيطة بهم وممارسة سكانها للأنشطة البدنية وهو ما يجعل سكان هذه المناطق جميعها تشترك في نفس نمط الحياة اليومي. ولتأخذ أنماط حياتهم وسلوكياتهم أنظار الباحثين عن السعادة وأسلوب الحياة الأمثل.

وفي رغبة مني للاستطلاع ومشاهدة واقع الأمر، فقد زرت الجزيرة اليونانية كيفالونيا وعاصمتها ارغوستولي وبعض البلدات في إيطاليا ومدنا على امتداد الجنوب الأسباني، وجدت حياة بسيطة وجميلة والمقاهي تنتشر بأساليب بناء وهندسة مختلفة عن بعضها البعض. الناس ودودون جداً ويعرف بعضهم البعض، منتجاتهم الغذائية مثل الخضروات والفاكهة والجبن بأنواعه والمخللات تباع بكثرة في المحلات. تلاحظ قلة المركبات فالشوارع هادئة والأشجار مصطفة على جانبيها، وقد تجد الأشجار المثمرة كالتين والزيتون والبرتقال في طريقك على أحد جانبي الطريق. ما إن يأتي المساء حتى تزدحم المقاهي ويجلس الناس في الشرفات يتبادلون الحديث الودي والضحكات على ضوء الشموع والقناديل وكأن الدنيا سهلة والأمور ميسرة. لا يكاد يخلو بيت من الزراعة، فالبيوت لها حدائق تنتشر فيها الأشجار والخضروات الموسمية، وعادة تبادل المنتجات الزراعية متأصلة لديهم، فقد تفتح باب بيتك صباحاً لتتفاجأ بالخضروات أمام عتبة الباب. الروح الإيجابية عالية لديهم وهم يتقبلون بعضهم البعض وكأنهم أصدقاء ومعارف. أحدهم في إيطاليا اعتذر لي عن استعمار إيطاليا لبلادنا، عندما عرف أني من ليبيا، في قناعته تأتي حرية واستقلال الشعوب واحترام الدول لبعضها البعض في المقام الأول، لقد ظن أننا نعيش حياة أكثر سعادة واستقرارا بعد الثورة، فما المانع ونحن في بيئة تشبه مدينته إلى حد كبير؟

السمة الغالبة الأخرى التي يلاحظها الزائر لهذه المناطق، أنها تخضع لقوانين حكوماتها، فالسكان يدفعون الضرائب، والحكومة لا تدعم البنزين، وفواتير الكهرباء تدفع في أوانها؛ وهم يحبذون السهر على ضوء القمر ويستعملون الشموع والقناديل لأمسيات اجتماعية أكثر دفئاً. المواد الغذائية غير مدعومة والخبز بأسعاره الدولية، وهم يحبذون البطاطا ويتناولون الخضروات المزروعة محلياً بكثرة. السمة الغالبة أيضا أن استعمال السيارات محدود، وأسعار البنزين هي ذات الأسعار الدولية. 

دولنا العربية في مجملها يمكن وصفها بالمناطق الزرقاء قبل اكتشاف النفط، لقد كان لدينا الكثير من سمات شعوب هذه المناطق. لقد تبنت مجتمعاتنا اسوأ سمات المجتمعات الحديثة المربكة والمعقدة وخرجت الشعوب عن عباءتها وأسلوب حياتها لآخر بدعوى الحداثة.  لايزال في مجتمعنا من يعتقد أن السعادة بأسعار مدعومة للدقيق الأبيض والخبز والسكر، وأن دعم الوقود واجب للناس على حكوماتهم، في مجتمعاتنا لا يعرفون أهمية الشجرة، وأشجار الزيتون المعمرة تقطع دون وعي بأهميتها. في مجتمعنا هناك من لا يعرف جدوى ما لدى بلادنا من خيرات ومناظر خلابة وجب استثمارها والمحافظة عليها، لا نحسن استثمار علاقاتنا التي تجمعنا، والتي داخلتها سلوكيات المظاهر وانحرفت عن مفهوم المحبة والعمل والتعاون. نحتاج كتبا وتوعية من أجل إعادة مفاهيمنا الصحيحة والصحية الذي استيقظ العالم الواعي ليجددها ويبعث فيها الحياة.