Atwasat

انتخاب الرئيس: هتلر يفوز دائما

سالم العوكلي الثلاثاء 10 أغسطس 2021, 09:55 صباحا
سالم العوكلي

شاهدت فيديو، بقدر ما هو طريف، يعكس مدى خداع المظاهر أو المواصفات التي من خلالها يُنتخب المرشحون، سواء للرئاسة أو لمناصب نيابية أو غيرها. يقوم أستاذ في إحدى الجامعات الأميركية بإجراء تجربة انتخابية على طلاب دراسات عليا وفق المواصفات المعلنة أو الظاهرة للمرشح، وينتقي نماذج من التاريخ السياسي الحديث، معتمدا على البيانات الدعائية التي عادة ما تصاحب حملةً مع أو ضد أي مرشح، ويقدم المحاضر مواصفات لثلاثة مرشحين للرئاسة ويطلب منهم أن يختاروا الرئيس الأجدر بالثقة:

المرشح الأول: إنه مشلول تقريبا بسبب شلل الأطفال. يعاني ارتفاعا في الضغط، مصاب بفقر الدم، ومجموعة أخرى من الأمراض الخطيرة. إنه يكذب إذا كان ذلك يخدم غايته، ويستشير علماء الفلك بشأن قراراته السياسية، يخون زوجته، يدخن باستمرار، ويشرب الكثير من المارتيني.

المرشح الثاني: إنه شره وبدين، وقد خسر سابقا ثلاثة انتخابات. سبق أن عاني من الاكتئاب ونوبتين قلبيتين، يصعب العمل معه، ويدخن السيجار الكوبي دون توقف، وحين يخلد إلى النوم كل ليلة يشرب كميات كبيرة من الشامبانيا، الكونياك، البورت، والويسكي، ويأخذ حبتين منومتين قبل أن يغفو.


المرشح الثالث: بطل حرب من الطراز الرفيع، يعامل النساء باحترام، يحب الحيوانات، لا يدخن أبدا، ونادرا ما يشرب الجعة في المناسبات، يقضي معظم ساعات اليوم في العمل ولا ينام إلا ساعات قليلة.

وبالطبع انتخبوا بالإجماع المرشح الثالث، اعتمادا على مواصفاته الشخصية الجذابة، فأظهر المحاضر بعض الصور، وقال لهم يا أعزائي لقد استبعدتم المرشحين الأول والثاني، وهما فرانكلين دي روزفلت وونستون إل تشرشل. ولحسن الحظ انتخبتم هذا الرجل ورفع صورة أدولف هتلر.

بالتأكيد كان المحاضر انتقائيا في اختيار المواصفات ذاهبا بسرعة صوب المفارقة، غير أن هذه المواصفات الانتقائية هي ما تعرض غالبا في الدعايات الانتخابية، وعادة ما يختزل الشخص في صفات شخصية تعزز حظوظه أو تقللها، معتمدين على فهم خاطيء حيال مؤهلات القيادة، أو المعايير التي يُنتقى وفقها الأشخاص لمهام عظيمة.

توقفتُ عند هذه التجربة الصغيرة، حين تذكرت محتوى الحملات الانتخابية العربية في الدول القليلة المسموح لها أصلا بأكثر من مرشح، وتذكرت ما حصل في مصر حين فاز تنظيم جماعة الإخوان في أول انتخابات رئاسية متعددة بعد ثورة يناير، وعندما أُجرِيت استطلاعات في الشارع، كان مفاد القناعة التي برر بها شريحة واسعة من الناخبين اختيارهم: "دول ناس يخافوا ربنا". وهذا الشعور أو الوجدان هو ما أسس له التنظيم في مجتمع مازال يعتبر التدين، والصلاة والمسكنة، هي الضمانة ليكون الإنسان جيدا، بغض النظر عن الخبرة والكفاءة والقدرة على قيادة الدول للخروج بها من الأزمات الصعبة، دون التفريط في المبدأ الديمقراطي كما المرشحان الأول والثاني في تجربة البرفيسور مع طلابه، وهو يحاول أن يوضح الفرق في المعايير حين يتعلق الأمر بقيادة أمة، وليس انتخاب شيخ زاوية أو أسقف كنيسة أو إمام جامع.
وتذكرني الحملات الانتخابية الليبية السابقة، وبعض عبارات الدعاية لمن يطرحون الآن أنفسهم للانتخابات الرئاسية، بالدعاية التي ترافق شخصا مجهولا يتقدم لخطوبة فتاة، وليس لقيادة أمة في أصعب المراحل التي تمر بها.

في أول انتخابات ليبية لعب تيار الإسلام السياسي هذه اللعبة، ورغم فشلها لاعتبارات كثيرة تتعلق بالشخصية الليبية، إلا أنها، من جانب، حشدت، فيما بعد، جيوشها الإلكترونية وذخيرتها الدينية بما فيها مفتي الديار الذي أفتى رسميا بتحريم انتخاب العلمانيين، ومن جانب آخر كانوا يقدمون أنفسهم تحت شعار رنان (تطبيق الشريعة الإسلامية) أو شرع الله، وهو شعار يتفق فيه الإخوان والقاعدة وأنصار الشريعة وداعش والسلفية رغم اختلافاتهم الخاضعة لاعتبارات دنيوية تتعلق بكيفية الوصاية على القوم والوصول إلى السلطة، واستطاعوا أن يُثبّتوا هذا الشعار الذي لا يرقى في صياغته الغامضة لأن يكون (مادة دستورية) حاكمة ومحصنة في مشروع الدستور، وهو مجرد شعار دعائي يتاجر بالدين للوصول إلى السلطة، لكنه في الوقت نفسه مخول لنسخ باب الحريات والحقوق الأخرى كاملا.

قدم مرشح مثل د. محمود جبريل نفسه كرجل مختص يرى أن المعرفة والتخطيط العلمي هما الوسيلة الأنجع لنهوض المجتمع ودولته، وشكل تحالفه الوطني من تيارات مدنية كان من المفترض أن يكون لها الهدف نفسه، غير أن الحرب عليه شنت من زوايا أخرى خبيثة وغير منظورة، بقدر ما لا تمت لطبيعة شخصيته بعلاقة، بقدر ما تفعل فعلها في شريحة واسعة من الناس، وهذا ما حدث حين أصبح جبريل، بعد هذا التمشيط الذي قامت به جيوش إلكترونية تتقاضى مرتبات، غير مستساغ لدى شريحة تزداد باطراد من الليبين. لم يجادلوا عقله ولا فكره ولا رؤاه، لكنهم حاربوه من باب العلمانية كتهمة تقترن زيفا في ذهن قطاع واسع بالكفر، لأنه يتحدث عن العلم باستمرار، ورغم أن العلمانية كمصطلح مشتقة من العالم (جلوبال) وليس العلم، إلا أن لعبتهم نجحت في تشويه شخصية أقبل الناس عليها في البداية من باب احترام الخبرة والفهم والذكاء.

ثم فتحوا عليه بابا آخر يتعلق بكونه (ورفليا)، وكان أحد الشخصيات العائدة من لندن ــ جمعة القماطي، الذي كان كثيرا ما يتحدث في القنوات الفضائية عن الحل النهائي ونهاية المطاف بيقين لا يعتريه الشك كأي طاغية صغير ــ كلما يتحدث عن عدوه اللدود يقول محمود جبريل (الورفلي)، ويشدد على هذا اللقب بطريقته الخاصة في الحديث حيث لم يجد نقطة ضعف أخرى يهاجمه من خلالها. لكن جبريل لم يكن علمانيا ولا ورفليا، وكان رجل علم ومعرفة مؤمنا بالديمقراطية والتعددية وبالدولة التي تُبنى على أسس اقتصادية سليمة، بقدر ما تسهم في نهضة المجتمع ورفاه المواطن، تهيء مناخا ملائما لبناء الديمقراطية، لأن ما رأيناه، وما نراه الآن من ترنح تجارب ديمقراطية ناشئة

كما حدث في موريتانيا أو السودان أو الجزائر أو لبنان، أو ما يحدث الآن في تونس، أنها ديقراطيات نخرها سوس الفساد، فشلت اقتصاديا فتحولت للأسف إلى بعبع عند قطاع واسع من الناس، وأصبحوا يحنون إلى زمن الطغيان طالما يطعمهم وينير منازلهم ويوفر لهم السلع المدعومة، ويحميهم برعاة وسياج شائك كما حظيرة حيوانات. كان جبريل قد أنجز دراسات علمية كثيرة تخطط لما يسميه دائما "ثقافة النهوض" على المدى المتوسط والبعيد، وهذا العمل الشاق الذي قام به لسنوات بمساعدة نخب وكفاءات دولية وليبية هو ما يجعله يتحدث عن مستقبل ليبيا وفق أرقام وإحصاءات وجداول وأولويات، وهذا ما أحبه الليبيون في أول انتخابات قبل أن ينحرف الإسلام السياسي بالمعايير التي تذهب إلى مكان آخر لا يمت للسياسة أو للإصلاح أو للنهضة بصلة، ويمشطون مواقع جبريل الذي رحل وحيدا ومعزولا بعد أن نزح الكثير من أعضاء تحالفه إلى المعسكر المقابل حين عرفوا أن المال والسلاح والنفوذ بحوزته.
نحن مقبلون على الانتخابات، نهاية العام.

كما يفترض (التي لن تتم في موعدها حسب ما أرى) ولكنها ستجرى يوما ما، وخصوصا انتخابات الرئيس المقلقة التي سيكون التوافق بشأنها على قدر كبير من الصعوبة تشي به التجارب السابقة من اختيار رؤساء دولة في هيأة مجلس رئاسي بثلاثة رؤوس أو أكثر، وبتجارب سابقة في انتخاب أشخاص على رأس أعلى أجسام تشريعية أو انتقالية، لأسباب تتعلق بأن المرشح لمنصب يعادل منصب رئيس الدولة، إما لأنه طيب ودرويش وعلى نياته، أو شخص اجتماعي وحاج لبيت الله وهواه سنوسي وبركة.. إلخ، وجميعهم أوصلونا بجدارة إلى هذا النفق المعتم والصعب الخروج منه، مثلما أوصل جماعة التيار الإسلاموي الذين يحملون طوال الوقت السبحات في أيديهم، ويبتسمون ابتسامات النساك، ويقيمون صلواتهم الخمس، ويبدؤون خطبهم السياسية بديباجة دينية طويلة، ويترحمون مرارا على الشهداء، ويتحدثون عن تطبيق شرع الله، أوصلوا دولهم إلى مرتبة الدولة الفاشلة أو القريبة من ذلك، في مصر والسودان وليبيا والآن في تونس، بينما مهاتير محمد، رجل المعرفة، الذي جعل ماليزيا في سنوات محدودة إحدى نمور آسيا، قال: كنا إذا أردنا أن نصلي نتوجه إلى مكة، وإذا أردنا أن نعمل اقتصادا حديثا نتوجه إلى طوكيو. ورئيس وزراء سنغافورا، لي كوان يو، العلماني العاشق للرقص والنبيذ، قال في آخر عمره: «كان لدي خياران: إما أن أمارس السرقة وأدخل أسرتي في قائمة فوربس لأغنياء العالم وأترك شعبي في العراء، أو أن أخدم وطني وشعبي وأدخل بلدي في قائمة أفضل عشر دول اقتصادية في العالم.، وأنا اخترت الخيار الثاني».

ولو وضِع هؤلاء في قائمة انتخابية وفق المعايير الليبية فسوف يخسرون، ووفق المعايير نفسها سوف يفوز شخص بمقومات محمد مرسي الذي برز كمشهد كوميدي من مسرحية الزعيم لعادل إمام، رغم حملته الانتخابية التي قدمته كملاك هابط من السماء جاء لينقذ مصر والأمة الإسلامية جمعاء.