Atwasat

تونس وليبيا والمُعَلِقُون

جمعة بوكليب الخميس 05 أغسطس 2021, 08:58 صباحا
جمعة بوكليب

في الأسبوع الماضي، عقب قيامي بكتابة ونشر مقالة في مطبوعة عربية، تعليقاً حول تطورات الأوضاع في تونس، اتصل بي هاتفياً صديق ليبي، لائماً ومعاتباً بلطف،على خوضي في شأنٍ - حسب وصفه- ليس ليبياً. وفي رأيه، أن الأزمة الليبية، وسُوء الأوضاع في البلاد، تستدعي أن يجند كل الكتاب والمعلقين الليبيين أنفسهم لقضية بلادهم وشعبهم طوال الوقت، لأنها في حاجة إلى أقلامهم، وأفكارهم، وانتقاداتهم. وهو أمر صحيح ولا يختلف حوله وطنيان. ومن حق صديقي أن يعاتبني، ويلفت نظري إلى ما يعتقد أنه الأولى باهتمامي ككاتب تعليق صحفي. لكن، من جانب آخر، لا أعتقد أن من حقه أو حق أي شخص آخر، أن يحدد لي شخصياً، أو لغيري من المعلقين الصحفيين، مسارات ومسالك السير، وما يجب أن نعلق حوله من قضايا ومواضيع.

ذلك لأن المعلق الصحفي، في رأيي، لا يختلف عن مراقب، يرصد باهتمام ما يدور حوله، سواء في بلاده أو خارجها، من أحداث في مختلف الشؤون الحياتية. وبالطبع، ليس كلها ما يثير انتباهه وملاحظته، ويستدعي تناولها بالتعليق، هذا أولاً. وثانياً، أن ما حدث في تونس ليس من الممكن تجاهله على معلق صحفي ليبي، لما تعنيه تونس من أهمية لليبيا، وتأثيرات ما يقع فيها من أحداث، وما يستجد فيها من أوضاع. وما حدث في تونس يوم 25 يوليو 2021، ليس بالأمر الهيّن الذي يمكن تجاهله، لا لسبب سوى أنه واقع خارج الحدود الليبية. إذ لو كان كذلك لما أثار قلق وانشغال عواصم أوروبية وعربية وآسيوية وأفريقية عديدة، ولما دفع كتابا ومعلقين من مختلف بلدان العالم لمتابعته، وملاحقة تطوراته أولاً بأول، والتعليق. وأن وقوعه خارج الحدود الليبية لا يعني أنه خارج الاهتمامات الليبية.
وثالثاً، أن ليبيا وتونس، كما قال الرئيس التونسي الأسبق المرحوم الحبيب بورقيبة، شعب واحد في بلدين. وهناء تونس وسلامة شعبها ضروريان لأمن وسلامة ليبيا وشعبها.

والحقيقة التي لا مفرّ من مواجهتها هي أن عديدين، في ليبيا وخارجها، سواء أكانوا من أنصار الحكم العسكري المستبد خاصة، أو من المعادين لثورات الربيع العربي عموماً، يتمنون أن يشهدوا سقوط آخر القلاع الديمقراطية المتبقية في العالم العربي تحت سنابك خيل الاستبداد. وأنهم يتمنون ويسعون إلى العودة بالزمن وبالشعوب إلى الوراء، ويترقبون اليوم الذي يتمكنون فيه من إعادة نصب تماثيل أصنامهم التي كانوا يعبدونها، إلى القصور والشوارع والميادين، ليسدلوا الستار نهائيا، وليطفئوا الأنوار، وليغلقوا الأبواب بالسلاسل والأقفال، على أهم حدث سياسي شهدته الساحة العربية خلال النصف قرن الأخير، متناسين ومتغافلين عن حقيقة أن مشعل الثورة الذي أوقد ناره الشعب التونسي عام 2010، ليس من السهولة بمكان إطفاؤه، وأن أبواب الحرية التي فتحت عنوة بعزيمة الشعوب وتضحياتها، ليس من الممكن إغلاقها مجدداً.

نعم، ثمة مخاوف من أن تنعطف الأمور في تونس نحو مسار قد يقودها - لا سمح الله- في طريق محفوف بالمخاطر والأهوال. وهناك قلق من أن تنفلت الأمور أمنياً، بفعل فاعل، سواء من داخلها أو خارجها، أو الاثنين معا، وتؤدي إلى إلحاق أضرار بالبلاد وبالعباد. لكن، ومن خلال المتابعة، يمكن القول إن الرئيس قيس بن سعيّد، وبتأييد قرابة 85% من الشعب التونسي، وفق استبيانات الراي العام في تونس، على وعي ومعرفة بما يحاك ويدبر، وأنه بوعي سوف يسعى إلى تجنب السقوط في حفرة الاستبداد. وعلى أمل أن يتمكن بمساعدة كل القوى الديمقراطية في تونس، من تصحيح المسار بما يضمن إعادة الأمور إلى نصابها، وبما يحقق طموح الشباب التونسي في العيش في وطن كريم، يضمن له الحرية ولقمة العيش الكريمة، بدل المخاطرة بركوب قوارب الموت والهجرة إلى الخارج، أو الانضمام إلى صفوف الإرهاب الأسود لقاء دولارات مغموسة في الدم.

ولا مهرب لنا من الاعتراف بأن الاهتمام بما حدث في تونس، والتعليق حوله هو، في المركز منه، في صميم الشأن الليبي، والقضية الليبية. وليس محاولة للتدخل في شؤون بلد عربي شقيق. ونحن، أقصد كل أصدقاء الحرية، وأنصار الديمقراطية والمناوئين للاستبداد في كل أشكاله، نقف صفا واحداً مع تونس في حقها في تصحيح مسار ثورتها، وفي اختيار ما تراه مناسباً من سياسات، لتحقيق طموحات شعبها، ورسم مستقبله. ولن نقف مكممي الأفواه، أمام من يسعون لتقويض التجربة الديمقراطية التونسية، وإلحاق الأذى بتونس وبشعبها ومستقبلها، لأن ذلك يعد مشاركة في إلحاق الأذى بليبيا وشعبها ومستقبلها.
حفظ الله تونس وديمقراطيتها.