Atwasat

المربع الرمادي

رافد علي الخميس 29 يوليو 2021, 10:15 صباحا
رافد علي

كانت الصفعة التي تعرض لها الرئيس الفرنسي ماكرون بشهر مايو الماضي أثناء جولة بجنوب البلاد من قبل شاب فرنسي عاطل عن العمل ومن المتحمسين لحركة السترات الصفراء، مؤشرا شديد السلبية لماكرون ضمن جولته الرئاسية لجس نبض الشارع الفرنسي قبل خوضه الانتخابات المحلية التي خسرها حزبه مؤخراً.

وهذا ولا شك يُصّعب الأمور علي ماكرون الذي يستعد لخوض انتخابات الرئاسة العام القادم. صفع ماكرون في تلك الحادثة كان قد قُوبل بالإدانة من قبل الطبقة السياسية بالبلاد، وعبر عنها ماكرون بأنها "حادث منعزل، وأن العنف والكره خطر على الديمقراطية". الناطق باسم الحكومة أصر في تصريحه حينها على رفض اعتبار الصفعة "حالة رمزية لغضب الشعب الفرنسي من إدارة ماكرون وسياسته"

ربيعنا العربي انطلق من صفعة على وجه البوعزيزي، ونقف هذه الأيام علي آخر تبعاتها، بذات البقعة، بعد أن صُفعت النائبة التونسية عبير موسي، رئيسة الحزب الدستوري الحر، ولتتوالى الأحداث بتلك الجمهورية ووصولاً إلى تجميد للبرلمان وإبعاد رئيس الوزراء هشام المشيشي، وارتفاع حالة الغليان في الشارع المنقسم على نفسه بين مؤيد لقرارات رئيس الجمهورية وفريق معارض للقرار متمثلا في أنصار حزب النهضة المسيطر علي السلطة التشريعية بالبلاد.

لا شك أن تطورات الأحداث في تونس ستلقي بظلالها على ما يدور بليبيا، المتعثرة هي الأخرى في ربيعها بكل الفوضى والفساد، والتي يترقبها العالم وهي تدنو نحو استحقاق انتخابي باعتباره خطوة نحو حلحلة المأزق الذي تكابده البلاد منذ سنوات شاقة ومريرة.

بين الصفعة والأخرى لازالت فوضانا "مؤبدة بين خطاب سياسي وآخر ديني، لأن الجمهور مقطوعة أوصاله بالعلم الذي من أدواته أشكلة واقعه لأجل الوقوف علي حقائق معضلته. فالجمهور مشغول بانحشاره بين الخطابين المشتركين في تبسيط الخسائر وتسطيح المشاكل رغم التناقضات الجلية بينهما، فعلى الأرض تبقى العلاقة النفعية الضيقة هي الحيز المحدود والمتاح ضمن فراغ يتفاقم أمام مواطن بسيط تتلاعب به الخطابات بمرجعياتها التقليدية المعروفة من منابر دينية ومنصات ساسة.

ولا يمتلك المواطن حيال كل هذا إلا اللامبالاة مرة أو الرفض المكبوت في أغلب المرات حتي ينفجر كل المكبوت دفعة واحدة وبشكل عنيف يوازي حجم المظالم والقهر فيها.

الاحتجاج السلمي لا شك في أنه من الحقوق الأساسية لأي بشر، باعتباره ردة فعل على الشئ المحتج عليه، او ضده. فالاحتجاج كحق أصيل يصنف في فقه القانون بالغرب بأنه "سلطة موازية للسلطة صانعة القرار" ، خصوصاً إذا كان القرار ظالماً للحقوق المصانة دستورياً، أو كان قراراً متعسفاً من قبل الدولة صاحبة الشرعية الوحيدة في ممارسة الإكراه القانوني.

ولأن واقعنا الحالي، وخصوصاً بدول الربيع، واقع فوضى يتراكم فيها المكبوت، فإن احتجاجاتنا لن تأتي إلا في صورة فوضوية، مخالفة لمنطقيات القيم الأخلاقية، أو روح القانون.

في ليبيا حيثما الصفعات المعنوية تتوالى، أعتقد أن حراكاً للشارع يربك المشهد وسط كل ما يجري يبدو صعباً، ما لم نقل مستحيلاً. فالجمهور "الغفور"، حسب رأي خليل أحمد خليل في سيسيولوجيا الجمهور السياسي والديني، عبارة عن جماعات وفئات مشتتة، وغير متشكلة، ويغلب عليها طابع الجماعات الكامنة التي لا تُخرج إلى السطح سوي عناوين مشكلاتها التاريخية مع ذاتها ومع واقعها ضمن حال سياسي تعوزه العديد من الانفراجات، وأولها ربما عدم تدوير الساسة، لأنها ستكون للناس فاتحة "خير" على مستوى المعنويات على الأقل.

إن فجوة الوعي بحالنا ووضعنا في أزمتنا يجب استدراكها طالما أننا لم نستفد من كل تجارب السقوط والجمود التي شاهدناها كشعب وكنخب في هذه البلاد المترامية، والتي تقع في منطقة توصف دائما بأنها منطقة غير مستقرة، مما يعزز النفسيات عند صاحب الأمر، أي أمر، بضرورة القبض بيد من حديد على كل الأمر، ضمن مفاهيمنا الرائجة من تراتبيات أسرية واجتماعية، الأفضلية للجماعة لا للفرد، وقدسيات وطغيان.

الصفعات التي تخترق أسوار السياسة لتتحول لحالة هيجان أو تعزز الفوضى وتزيد من القلقة السياسة ستستمر لدينا حتماً، لأننا نقبع بذات المربع الرمادي منذ زمن طويل، ونحيا فيه بروح المغالبة وتوابعها مرات كثيرة، أو بالتقية بنفاقها دون أن نتبصر حالنا ونتدبره، وأنظارنا ليست موجهة نحو بصيص النور، أو مخرجنا من عصر الانحطاط الذي نجر أصفاده لقرون.