Atwasat

أوجه التحالف الممكنة بين فبراير وسبتمبر في الانتخابات المقبلة

عبدالعزيز الغناي الأحد 25 يوليو 2021, 10:13 صباحا
عبدالعزيز الغناي

إن الاختلافات بين فبراير وسبتمبر عميقة ومتغلغلة في ليبيا ولن تبدأ في كون فبراير نهاية الشتاء وسبتمبر نهاية الصيف ولن تنتهي كونهما تيارين سياسيين متحاربين في ليبيا بينهما ما صنع الحداد.

ولادة تيار الكرامة من رحم فبراير شرعيا ولأيدولوجية سبتمبرية خلط الأوراق وقسم البلاد المنقسمة من الأساس لدرجة التشظي، فليبيا كما أسلفنا بها تيار فبراير المنقسم بدوره إلى وطنيين ونفعيين وصقور، وتيار سبتمبر المنقسم إلى منتقمين ووطنيين ووارثين للنظام، كما يوجد تيار الكرامة السياسي المنقسم إلى مجموعة لاترى في ليبيا وطنا إلا تحت حكم قائد الكرامة وجهويين ومنتفعين، كما وجود تيار الملكية الضعيف جدا وتيار الانفصاليين الذي بدأ يتموضع، ولو بمستوى متواضع، على الساحة.

ومن الواضح أن ليبيا مقبلة على انتخابات برلمانية ورئاسية في الرابع والعشرين من ديسمبر المقبل، وهذا ما سيجعلنا نفكر في أنه ليس من السهل الوصول إلى كرسي الحكم دون عقد تحالفات، إذا ما نظرنا مثلا إلى أن حفتر المحسوب على الكرامة أو سيف الإسلام المحسوب على سبتمبر أو باشاغا أو نوري بوسهمين المحسوبين على فبراير قد يدخلون غمار المنافسة على كرسي الحكم في ليبيا، وبالنظر إلى الخريطة الليبية وحجم الكتل البشرية والتوزيع الجغرافي والتعقيد القبلي والسكاني والفكري والجهوي والإقليمي والايدولوجي فإنه ما من مرشح واضح يقف على أرضية صلبة بشكل ثابت، بل إن كل المرشحين بحاجة لعقد تحالفات وصفقات مع تيارات أخرى أولا لتعزيز الحظوظ للوصول إلى رئاسة الدولة وثانيا لمحاولة الحصول على كتلة من النواب بالإمكان المراهنة عليها في البرلمان المقبل الذي له بعض الصلاحيات التي قد تعرقل عمل الرئيس مستقبلا.

التحالفات بين صقور فبراير والكرامة.
في ملتقى الحوار الوطني الليبي الذي انعقد في جنيف واختار السلطة التنفيذية الحالية ظهرت نواة التحالف حقيقة، فتشكيلة الملتقى بُنيت على عدة أساسات مثل القوى الفاعلة على الأرض وممثلي كل تيار وممثلي كل جسم منتخب وممثلين عن النظام السابق والعرقيات والمكونات الثقافية والشبابية والنساء، لكن كل هذا التنوع كان مجبراً على الاصطفاف مثلا بين انتخاب مباشر أو غير مباشر للرئيس أو بين اختيار قائمة باشاغا أو الدبيبة، كما جرى في فبراير الماضي، هنا وباختصار انصهرت العرقيات والتباينات السياسية، وأصبح لابد من الاختيار والاصطفاف حيثما تكون المصالح.

ما حدث هو أن قائمة المنفي قد واجهت عقيلة وباشاغا وحدهما، إذ تحالف ضد الأخيرين كل من الكرامة وصقور فبراير والمنتفعين من الفساد والمطالبين بتمديد للأجسام التشريعية المتهالكة، وهنا ظهرت النتيجة وانتصر المنفي المغمور مقارنة بعقيلة وجويلي وباشاغا، تلك الأسماء الرنانة التي لا شك في أن كل الليبيين يعرفونها، وهذا فتح الباب على مصراعيه لأول مرة وبشكل مباشر لإلغاء الثوابت بين الأطراف المتنازعة والتعاون تحت الطاولة لغرض النجاح أو بين قوسين لغرض استبعاد باشاغا وشبحه الذي يراودهم حول الإصلاح ومكافحة الفساد.

التحالف بين فبراير وسبتمبر
مع التأسيس لمبدأ إجراء الانتخابات وإيمان الشعب الليبي بأنها مهمة - رغبة العزوف ونسب المشاركة المتدنية - وهي ما أوصلت شخصيات مثل زياد دغيم أو خالد المشري ليكون حاكما ومنظرا على الليبيين، بدأ تيار سبتمر من الوطنيين الذين يختلفون مع فبراير فقط في آلية الحكم وينبذون العنف، يستعدون للعودة للمشهد السياسي والمشاركة في الانتخابات خاصة وتكوين كتلة برلمانية تكون بالنسبة لهم قُبلة العودة إلى الحياة ويشاركون بها في المشهد لتقوى شوكتهم، انقسام الخضر ليس بالأمر البسيط فهم مقسمون إلى فئة مازالت تبحث عن الثأر وعودة نظام الجماهيرية للحكم، وأخرى تريد المشاركة في بناء ليبيا وفق ثوابتها، وأخرى لا تفكر إلا بالحل العسكري، وهذا ما برز مؤخرا من تحالف البعض والمشاركة في العدوان على طرابلس الذي هُزم فقل أمل وتأثير متخذي هذا الخيار على الفئات الشعبية السبتمبرية.

وكما أن حاجة سبتمبر للتحالف مع فبراير مهمة وأساسية فالعكس صحيح لأن هذين التيارين هما الأقوى تأثيرا في الشارع ولعل حكومة السراج قد أسست لهذا التحالف رغم ما شابه من إشكاليات، لكنها كانت أقرب الحكومات للخضر المعتدلين حتى أوصلتهم لمستوى المستشارين، ناهيك عن إنهاء عدد من الأحكام القضائية لبعض المسجونين الذين تم الإفراج عنهم بشكل فعلي، والسعي في عودة كثير من المهجرين دون قيود أو شروط أو ابتزاز.

في تصوري اتوقع عقد تحالفين بين فبراير وسبتمبر أولهما بقيادة باشاغا مع معتدلي سبتمبر الذين يرون في باشاغا رجلا بإمكانه محاربة المليشيات التي حجمت دورهم، وبالإمكان عقد الاتفاق معه على ثوابت واتفاقات لن ينكص عنها، خاصة وأن تجربته معهم حينما كان وزيرا للداخلية وقيامه بإرجاع عدد من ضباط الداخلية إلى سابق عملهم وتحجيم ومحاربة الأجهزة الموازية التي كانت تعمل تحت غطاء حكومي بإدارة مليشياوية تبتز الدولة والمسؤولين وتتحرش بالسلطة التنفيذية، كما أن سبتمبر ترى عن طريق بعض رموزها أن باشاغا ومن يدور في فلكه قد يكون الأقرب لتحقيق التوازن بين طرابلس وبرقة وفزان وبإمكانه إدارة الدولة ليضع القطار على السكة لتهيئة الأرضية لمصالحة شاملة ثم الانطلاق نحو دولة مستقرة.

تحالف آخر قد يبرز إلى السطح وهو تحالف ابوسهمين المرشح لرئاسة الدولة مع الخضر، أي بين قوسين حزب الجبهة والمال وصقور فبراير، مع سبتمبريين، وربما هنا تحديدا سبتمبريي مصر المتواجدين في المعسكر المصري، وقد ينشأ هذا التحالف على أساس القضاء على الآخرين أو لتشتيت الأصوات أو استمرار المرحلة الانتقالية أعواما وأعواما واستمرار الفراغ الإداري والحكومي والرقابي على أموال الليبيين، هذا التحالف قد يُبنى على اتفاقات لقاء داكار بين صقور فبراير وسبتمبر الذي عقد في السنغال مايو 2018 بين أقصى المتطرفين هنا وهناك، لكن ما يعيب هذا التحالف هو صغر مظلته الشعبية والاجتماعية، فالمنتفعون ماليا من الطرفين لا يأبهون بالحال المزري الذي وصل إليه الشعب على الأرض من قلة في الخدمات وشح في السيولة وتردٍ في مستوى المعيشة.

لكن الأيام علمتنا أنه، مع صعوبة تطبيق هذا التحالف، أنه من ليبيا يأتي الجديد وقد يتحالف المتحالفون بلا هدف فقط لإقصاء الآخرين ومثاله أخيرا قائمة الكوني الفائزة بالسلطة التشريعية، التي تتقاذفها الأمواج بين الداعمين هنا وهناك وارتداداتها تنعكس سلبا على المواطن، سوءا في الإدارة وتشابكا في الاختصاصات وهروبا لميدان الشهداء لمشاهدة حمائم السلام بدلا من مواجهة التمرد.