Atwasat

مشروع الدستور بين سد السبيل والغلو في التأويل (2-2)

الهادي بوحمرة الأربعاء 21 يوليو 2021, 10:16 صباحا
الهادي بوحمرة

ثانيا/ النص على الدين والشريعة في مشروع الدستور الليبي هو نص على الدين والشريعة في مجتمع دينه الإسلام، ولا تعددية دينية فيه، ومن ثم؛ لا يمكن إحداث مقاربة بينه وبين دساتير مجتمعات بها أقليات دينية. كما لا يستقيم توقع انتقال إشكاليات ومشكلات ومعضلات دستور ينص على دين واحد في مجتمعات فيها أقليات دينية إلى مجتمع لا أقليات دينية فيه.

فبالنسبة للمجتمع الليبي، من الممكن تقييم النص على الدين في الدستور من ناحية نفعية صرفة، والانتهاء إلى القول بوضوح المنفعة فيه. وربما تكون مقدمة ذلك الإجابة على السؤال الآتي: هل النص على الدين عامل وحدة، أو عامل شقاق وفرقة؟، وهل هو نص جامع في وثيقة يراد أن تكون جامعة، أم هو خلاف ذلك؟، ولا أظن أن أحدا يعارض القول بأن دستور ليبيا يجب أن يُبنى على المشترك بين الليبيين، ومن أهم عناصر هذا المشترك هو الإسلام، وثوابته، لا مذاهبه، ولا فرقه واختلافاته.

فالنص على الدين في دستور ليبيا، والتقيد بأسسه، والوقوف عند قطعياته هو نص على أهم عامل يجمع الليبيين على اختلاف مكوناتهم وتوجهاتهم.

ولا يمكن أن يشعر الليبيون بملكيتهم لدستور لا يقوم على ذلك. وتجاهل ذلك هو منع لمشروعه من أن يمر في استفتاء عام. فالدستور هو دستور الليبيين، وليس دستور فئة، أو حزب، ولا دستور منظمات دولية، أو بعثة أممية.

ثالثا/ من أهم جوانب مشروع الدستور التي تم تجاوز النظر إليها هو ذلك الجانب الذي يحول دون أي تطرف في إنفاذ أحكامه من قِبل أي جسم تشريعي قادم، ويستبعد معه أي خروج بالإلزام في نص المصدرية عن حدود الثوابت، ويمنع الاتجاه بالتشريع نحو اتجاهات فقهية تحول الاجتهادي إلى قطعي، والبشري إلى مقدس. فقد كان المشروع في ذلك أحرص من كثير من دساتير دول تنص على مصدرية الشريعة الإسلامية.

وفي هذا الجانب نجد- على سبيل المثال لا الحصر- أن المشروع قد نص في مادته الثالثة عشر على أن تكون المعاهدات والاتفاقات الدولية المصادق عليها في مرتبة أعلى من القانون، وفي مادته السابعة والثلاثين على حرمة الحياة الخاصة، وحظر التحريض على الكراهية والعنف والعنصرية، وحظر التكفير وفرض الأفكار بالقوة، وفي مادته السادسة والستين على وجوب بناء السياسات التشريعية والتنفيذية على حماية حقوق الإنسان، وفي مادته التاسعة والأربعين على حق المرأة في التمثيل في الانتخابات العامة؛ بالإضافة إلى نص المقاعد المحجوزة لها في المادة الخامسة والثمانين بعد المائة، وفي مادته التاسعة والتسعين على حقها في الترشح لرئاسة الدولة، وهو بذلك يتجاوز مجرد نفي الإلزام عن آراء فقهية بالنص على حظرها، ومنع أي سلطة تشريعية بالاستناد إليها، مع الوجوب الذي يقع على هذه السلطة بشأن توفير ما يلزم من ردع عام وخاص لمعتنقيها، فالتحريض على الكراهية والعنف والتكفير يجب أن تكون أفعالا مجرمة بقانون؛ إنفاذا لنصوص الدستور.

ومتى كان الأمر كذلك؛ فإنه لا مجال للقول بأن مشروع الدستور يفتح الطريق لخطاب كخطاب داعش، أو خطاب يتشابه معه، أو يقترب منه؛ كما يقول الأستاذ عمر الككلي في المقال المشار إليه أعلاه.

رابعا/ مشروع الدستور يقوم على تعدد السلطات، وضبط اختصاصاتها، والفصل بينها. فالسلطة التشريعية هي التي تسن القوانين، ولا مجال لرد القانون عليها استنادا إلى الدستور؛ إلا من قبل المحكمة الدستورية التي لها ولاية الفصل في دستورية القوانين؛ دون غيرها.

وما مجلس البحوث الشرعية المنصوص عليه في المادة الواحدة والستين بعد المائة من مشروع الدستور؛ إلا مؤسسة استشارية تخضع للقانون الصادر من السلطة التشريعية، وهذه الأخيرة هي من يعين أعضاءها، والذين لا يملكون أبدأ الرأي في اختصاص السلطات العامة؛ إلا بناء على طلب منها موجه إليهم، ودون أي إلزام دستوري بهذا الطلب.

كما أن الفتوى التي تصدر منهم في الشأن الفردي تخضع للقانون، ما يعني أن مجالها ينحصر فيما هو خارج نطاق التقنين"التشريع"، ووفق ضابط الموروث الفقهي للبلاد، الأمر الذي يمنع من استناد الفتوى على أي منهج غريب على هذا الموروث.

ومن هنا كان من الواجب نقاش المصلحة في مأسسة الفتوى في غير مجال التشريع، والمصلحة في ضبطها بموروث البلاد، ومحاولة الاجتهاد في بيان سلبيات وإيحابيات دسترة ذلك، بدل الذهاب بعيدا والقول بأن الدستور بذلك يؤسس لدولة دينية، أو أنه يقر بحكم المفتي، ويجعل الكلمة الفصل في البلاد بين يدي شيوخ الدين، وهو قول غير صحيح على نحو واضح وقطعي، ولا لبس فيه، ولا يجد ما يستند عليه في مشروع الدستور؛ أيا كانت الزاوية التي يمكن أن يُقرأ منها النص، وأيا كانت التأويلات التي يمكن أن يتم تحميلها له، شرط ألا نلجأ إلى أن ننسب للمشروع ما ليس فيه.