Atwasat

طبع يُطبع تطبيعا! (2من 2)

أحمد الفيتوري الثلاثاء 20 يوليو 2021, 01:45 مساء
أحمد الفيتوري

الناشر: في هذه الرواية، شهادة فاضحة، عن عنصرية الكيان الصهيوني والمجتمع الإسرائيلي.. إنها صرخة إنذار، وتحذير إلى العرب، الذين ما زالت لديهم، أوهام حول إمكانية التعايش والسلام، مع ذلك الكيان، القائم على التعصب والاستعلاء.

مؤلف الرواية، ولد ونشأ في الحي اليمني القديم، بمدينة القدس، لأب عربي فلسطيني وأم يهودية ألمانية؛ حيث هاجرت إلى فلسطين، مع عائلتها، جريا وراء الأحلام، التي زينتها الدعاية الصهيونية. دفعه جموحه، لتحقيق ذاته، بمحاولة الانخراط في المؤسسات الصهيونية، عبر ما ظنه قضية يكرس لها حياته، إلا أن نصفه العربي انقلب وبالا عليه، فقد أصبح عرضة للتمييز، والارتياب والنفور الاجتماعي، أينما حل وكيفما اتجه، مما أدى لتفاقم شعوره، بالغربة والعزلة والإحباط.

وبسبب عدم نقاء دمه، يحرم من حقه، في أن يصبح جنديا في الجيش الإسرائيلي، فدمه ليس نقيا حسب معايير الحاخامات، يقول له ضابط التجنيد: لماذا كان على أمك أن تتزوج عربيا، إن أمك قد جعلتك تدفع الثمن، لا أريد عربا في جيشي، وهكذا يتبدل سلوكه، وينقلب ولاؤه للمجتمع الإسرائيلي، إلى حقد وكراهية، ويصبح عرضة للمضايقة والملاحقة، فلا يجد مخرجا من هذا الوضع، سوى الهرب والنجاة بنفسه، ويعيش متخفيا تحت اسم مستعار، ليكتب هذه الرواية، التي تنضح بالاعتراف والمرارة، عبر سيرته الذاتية.

- الناشر: دار كنعان للدراسات والترجمة – دمشق
القارئ: سردية تشع بالرماد، وتعكس انطفاء الروح اليهودية، إنها تندس في الرماد، كي تقول كل شيء فلا تقل شيئا، وهذه الجملة الاختزالية، تكثف الخيبة، وتعتم الروح، وتكل البصيرة، ولأنها لا تريد الانحياز، فكل انحياز تقديس لأيديولوجيا ما، وأن الأيديولوجيا جبانة الروح.

سردية تنبض بالأسى، وتركن لمواء الروح المؤودة. فالراوى بين بين، وهو من لزوم ما لا يلزم، وأن تكون الرواية اعترافات، فكأن الكتابة تلبس مسوح الرهبان، وتتشبت بتطهر مستحيل. وإن كل ما يجذبك للرواية، ينفرك منها، أو أنها مسخ كافكا، وهذه الغنائية، رطانة، وشرخ صوت لا صوت له، وأن الرواية، مرآة الموت، لا الموت الإنساني، ولكن الموت المسخ الذي تحمله، وتتشبت به روح الراوي والرواية، فإن هذه المرآة، تدين كل ما تماري، بل وتسخط روح الإنسان في قارئها.

فيما جاء في رواية: "اعترافات عربي طيب" ليورام كانيوك أو يوسف شرارة - حيث ثمة التباس، في من هو كاتب هذه الرواية، وأيهما الاسم الحقيقي، فكأن رواية الرواية، رواية بوليسية - مما جاء فيها: "لقد عدت إلى هنا، في العام 1948، ورأيت ما فعلوه بك، لقد أذلوك، سلبوا أرضك، كيف أمكنك أن تبقى هادئا، كيف أمكنك أن تظل ساكنا هكذا؟. لقد سلبوا منك كل شيء، طردوا عائلتك، حطموا والدك، حولوك إلى عربي اليهود، كيف أمكنك؟. ونظر إلي دون أن ينبس كلمة، وأضفت قائلا: إنهم غزاة أجانب، مثل الصلبيين أيضا. فقال عازوري: لا، إنك على خطأ يا يوسف، ستمكث هنا. ولكننا سوف نبقى هنا أيضا، تلك هي المأساة…………..".

تطرح الرواية، هذه المأساة التي اسمها فلسطين، إلى جانب المأساة التي اسمها إسرائيل، من خلال توتر الشخصية، المزدوجة الأصول، لكن هذه الشخصية الروائية، لعلها سيرة هذا الازدواج، هي شخصية فارغة، من حيث إنها تعبير عن المأساة وحسب، وفاعليتها في الفقدان. ومن جانب آخر، تكشف عن عنصرية، توزعها بحياد، على كل الشخصيات، التي تظهر على مسرح هذه الرواية، ما في إطار المسكوت عنه، تقدم خطاطة عامة، للبنية الداخلية للمجتمع الصهيوني، وتكشف تفككه المعروف، على المستوى الديموغرافي، وكذا المستوى البنيوي الفكري، لهذا المجتمع اللا مجتمع.

وكأنها من ناحية، تعرفنا بحالة شاذة، ومن الممكن القول مستحيلة، لتأسيس دولة الأساطير، التي وقائعها ليست من نتاجها، ولكن محصلة مجتمعات أوربية، فإسرائيل هذه، حسب الرواية، نتاج أزمة الفكر والفعل الأوروبيين. وهذه البنية السردية الاعترافية، هي من تراث مسيحي، يومئ بمفهوم الخطيئة المسيحية، أكثر من أنه مجرد حيلة روائية. أما الجزء الثاني، من اسم الرواية، وكذا كوجيوتها، فإنه الشعار الأيديولوجي الصهيوني الأشهر: أن العربي الطيب هو العربي الميت.

والختام، المؤلف يورام كانيوك (يوسف شرارة) مات، فبات عربيا طيبا!