Atwasat

رسالة الي السيدة نجلاء المنقوش وزير الخارجية الليبية...

أحمد الفيتوري الثلاثاء 22 يونيو 2021, 03:21 صباحا
أحمد الفيتوري

السيدة المحترمة

ليبيا مسألة دولية بامتياز، ليس بعقد "مؤتمر برلين الثالث"، ولا أنه مؤتمر مضاف في الشأن الليبي، لمؤتمرات دولية وإقليمية لم تحص بعد. ولا لأن ليبيا دولة الأمم المتحدة، ما ساهمت في منح استقلالها ودستورها، ولا لأن ليبيا منحة الجغرافيا التي تتعدى التاريخ.

ليبيا مسألة دولية بامتياز، ليس باعتبارها خزان طاقة أحفورية وطاقة بديلة، وليست للمسألة علاقة بالثروات، وإعادة إعمار ما لم يعمر أصلا!. ولا لأنها مسألة لا تهتم بها الولايات المتحدة!، فتنهشها كل المصائب عند تغيب الراعى!. ولا لأن الليبيين غير معنيين بها، فلهذا هي مسألة على قارعة الطريق، فيعمل كل فاض من نفسه قاض. ليبيا ليست كل ذلك، وفي نفس الوقت كل ذلك وزيادة، فهي "حجر الأساس المنسي"، حسب المثل الشعبي اليوناني، ولكن وإن نُسي، فعندما يتحصص الأمر، يكون ما نُسي الأساس.

لقد عمرّ الليبيون الخلاء، فكانت الصحراء الليبية بحر الرمال الأعظم، أداة وصل لا فصل، ومن لزوم ما يلزم، حين يلزم ما يلزم. ليبيا إن لم تكن المركز، فهي الجسر/ المعبر، وهذا في ظن الجيران والجارعن بعد، وما ليس بجار وإن قربه البعد!. فالكوكب هنا والآن، عروة شقاقه الوثقى: أفريقيا، ما كانت البدء عادت البداية، عصبة المتوسط ومكنة المستقبل المجهول.

رغم هذا أو لهذا، فإن الليبيين يسخرون من سوء حظهم، فعندهم أن من نكد الزمان، أن تولد في المكان الخطأ، هكذا قبل وبعد، يندب الليبيون ويبكون حالهم طوال الوقت: هذا الخلاء ما جمع الأعداء والأصدقاء والأعدقاء، فكان ساحة لتصديرعراكهم.

ولهذا أيضا في تقديري، أن الليبيين لا يحبون قولا، ينسب حينا لهيردوت المؤرخ وحينا للفيلسوف أرسطو: "من ليبيا يأتي الجديد"، لأنهم من لم يروا من الجديد إلا غباره القديم وعجاجه الأقدم. ويذكرهم اليونانيان هيردوت وأرسطو، وما ينسب لهما من قول، بأول حروب المتوسط، ما دارت رحاها على الساحل الليبي، بين أول أمبراطوريتين في العالم: الفينقية واليونانية، ما بني على أساسها (قوس فليني). وفي اليومين الماضيين استعاد، رئيس وزراء الوحدة: عبد الحميد دبيبة، ذكرى هدم معمرالقذافي للقوس!، فقام بذات الطريقة بفتح الطريق.

السيدة المحترمة وزيرة الخارجية
لماذا أكتب إليك أنت، دون ذكر رئيسك أو رئيس مجلس الرئاسة؟، لأن المسألة الليبية، كما وضحت فيما تقدم، دائما مسألة خارجية، خاصة خلال العصر الحديث، منذ القرن التاسع عشر1830م، ثم مع عصر الاستعمار 1911م، وطبعا عقب انتصار الحلفاء 1945م، من كانت ليبيا حليفتهم. ثم كانت المعاناة الكبرى عهد الاستقلال، من الخارج، ما جاء بانقلاب عسكري، جعل زعيمه من نفسه: وزير خارجية للبلاد، ما جعلها شأنا خارجيا، منذ استلائه على السلطة حتى مقتله، لما يقارب النصف قرن. أما ما بعد زوال هذا النظام، بقيام ثورة فبراير 2011م، وحتى الساعة، فإن ليبيا أمست مرة ثانية دولة الأمم المتحدة، كما تعرفين.

وإن من محاسن الصدف، أن يجيء مؤتمر برلين القادم، وعلى رأس وزارة الخارجية إمرأة هي حضرتكم، ولأول مرة في تاريخ ليبيا. وقد بينت الفترة القصيرة، ما تبوأتِ فيها المنصب، أهمية وزارة الخارجية في ليبيا، ما بدت وكأنها أيضا وزارة الداخلية!.

السيدة المحترمة
إن من دواعي سرور السيدة انغيلا دوروتيا ميركل المستشارة الالمانية، أن تنهي حياتها السياسية، بوضع حجر الاساس في بناء السلام بالمتوسط. خاصة وأن بلادها ألمانيا، تحمل ذاكرتها تجرعها هزائم الصحراء الليبية، في الحرب الكبرى الأولى حين كانت حليفة تركيا، وفي الثانية حين كانت حليفة إيطاليا، وعلى ذلك لألمانيا وشائج ليبية. هكذا نجاح السيدة ميركل في مؤتمربرلين القادم، يكون لها ذكرى طيبة في معزلها، ولبلدها عودة ميمونة إلى المتوسط، من خلال الصحراء الليبية، وهذا شأن لا يستهان به.

نجاح السيدة ميركل، عتبة سلام لبايدن الرئيس، الذي عليه استحقاق أن يكرس نجاحه، بعد ما حققه في رحلة الاستعادة إلى أوروبا، وفي لقائه بالقيصر الروسي. وفي اعتقادي أن ماكرون الطموح، لفترة رئاسية ثانية، بحاجة إلى أن يكون رجل سلام في أفريقيا، بعد أن فشل كرجل حرب، ومن هذا فهو كما السلطان أردوغان، من توافق معه بإرادة بايدن.

على ذلك تبدو مؤشرات لقاء الحلف الأطلسي، وكذلك قمة جنيف، تشير إلى مرحلة مختلفة ولا نقول جديدة، في العلاقات الدولية. وبطبيعة الحال مؤتمر برلين القادم مؤتمر دولي، وليبيا مسألة دولية سهلة المنال. فإذا اعتبرنا المناخ العام ما بعد كورونا، مناخ إنهاء حروب ولا نقول أيضا مرحلة سلام، بما نشاهد من انسحاب أمريكي، من أفغانستان بعد عشرين حولا، وما دار من حديث، عن تهدئة طويلة أو حلّ ما لمسألة (قطاع غزة)!، في هذا الإطار يجيء برلين كفاتحة، ويمكن أن يكون المؤتمر، ليس خارطة طريق بل تنفيذ الخارطة.

أعتقد أن التركيز الملح، على برلين وعليكم قبل وبعد، عملية التنفيذ للحلّ المعلوم للجميع، وخارطة الطريق، التي وضعت في مؤتمر برلين السابق يناير 2020م، السبيل الكفيل بالحلّ، ما يبتغي أن يكون مؤتمر برلين إرادة الحلّ. دون أي مُماحكات وتسويف، وتضيع للوقت والجهد، فالطريق إلى برلين واضح ومحدد المعالم، وليس ثمة أية مقاربة أخرى في أي أفق.