Atwasat

دعسوقة (لافندانيا )! ذاكرة مكان

صالح الحاراتي الأحد 20 يونيو 2021, 09:41 صباحا
صالح الحاراتي

"لافندانيا" اسم مزرعة كبيرة تقع بالقرب من مدينة الخمس ومدينة لبدة الأثرية فى ليبيا.. أنشأها الطليان عندما كانت ليبيا تحت احتلالهم، والمزرعة بها آلاف من أشجار الزيتون ومساحة كبيرة مزروعة بأشجار الغابات..

فى تلك الغابة اقيم معسكر للكشافة

وكنت أنا والدعسوقة هناك.

لا بأس فى البداية أن يكون مدخل الحديث عبارة عن نبذة تاريخية عن الحركة الكشفية فى ليبيا.. التى تأسست أول فرقة كشفية فيها سنة 1954م بمدرسة طرابلس الثانوية بقيادة (علي خليفة الزائدي) الذي يعتبر مؤسس الحركة الكشفية في ليبيا، ثم تأسست فرقة كشفية في كل من بنغازي وسبها.. كما أن الحركة عضو مؤسس للمنظمة الكشفية العربية منذ العام 1954م.

وفي العام 1956م حصلت مشاركة كشاف ليبيا على المركز الأول في المخيم الكشفي العربي الثاني في أبي قير بالإسكندرية.. وتكونت في العام 1957م أول فرقة للأشبال، وفي العام 1958م تكونت أول فرق للمرشدات في بنغازي وطرابلس، وفي العام 1959م تم الاعتراف العالمي بكشاف ليبيا في المؤتمر العام السابع عشر في نيودلهي بالهند وتكونت في العام الذي يليه أول قيادة عامة لكشاف ليبيا.

بعد هذه المقدمة أعرج على ما هو شخصي، حيث التحقت مبكرا بالحركة الكشفية وتدرجت فى المراتب من الأشبال إلى الفتيان وصرت (باغيرا) وهو نائب (الأكيلا) قائد الأشبال، وشاركت فى المعسكر الكشفي العربي السابع الذي أقيم في غابة جود دايم بليبيا... ثم شاركت فى المعسكر العربي الثامن الذى أقيم في غابة سيدي فرج بالجزائر.
تعلمت الكثير من الكشافة.. الاعتماد

على النفس، الجرأة والشجاعة، عمل الخير وروح المشاركة والتعاون مع الآخرين.. تعلمت تنس الطاولة وكنت ضمن فريق الغناء والإنشاد والتمثيل، إضافة إلى المهارات الكشفية الأخرى.

هذه مقدمة ليست توثيقا تاريخيا، ولكنها سرد مختصر يضعنا فى حكاية وعالم السطور القادمة، حيث الحكاية التى تتعلق بـ "الدعسوقة"، تلك الخنفساء الصغيرة الحمراء ذات النقط السوداء على ظهرها التي نراها في المزارع والغابات.. وتعدّ من الحشرات المفيدة بالنسبة للفلاح، حيث تتغذى على حشرة المن والهوام الضارة بالنباتات وكذلك تساعد علي عملية التلقيح، وتتميز هذه الدعسوقة بأنها تفرز أحيانا سائلا أصفراللون، للدفاع عن نفسها من الأعداء، وهو ذو رائحة كريهة مقززة، كما أنه سام لبعض الحيوانات المهاجمة مثل النمل.. وربما كان ذلك سببا فى أن اسم الدعسوقة فى لهجتنا الليبية المحلية (حليمة الزياطة) أى الضراطه.

ما علاقة الدعسوقة بالكشافة؟

هنا نأتى إلى الحكاية حيث تجترح الذاكرة حدثا مر بي عندما كنت فى المخيم التدريبى فى غابة (لافندانيا) الذى يستمرعدة أيام.. كان البرنامج اليومى "كما يحضر فى ذاكرتى" يبدأ بمحاضرة حول عدة مواضيع منها تعليم العقد فى الحبال.. العقدة المثلثة والمربعة.. إلخ.. ثم درس نظرى وتطبيق عملى على اقتفاء الأثر، ثم فترة راحة والغداء تتبعه القيلولة.. وباعتبارى من القادة كان لى خيمة فردية صغيرة، بعد الغداء ذهبت إلى خيمتي واستلقيت لأخذ قسط من الراحة؛ فالجو كان حارا مع رطوبة مرتفعة، فأخذنى النوم وأنا من طبعي لا أعرف شيئا اسمه النوم الخفيف!!

انخرطت فى النوم العميق مباشرة..

وأنا على ذلك الحال وإذا بطنين رهيب فى أذني فقمت أتخبط وأضرب على أذني والطنين يزداد وأنا على ذلك الحال أسرع الرفاق لمعرفة ما الذي حدث ولم يفلحوا في إنهاء المشكلة. ولكن أحد الكشافة اكتشف الأمر فذهب مسرعا إلى أحد المختصين فى المطبخ، وأحضر قليلا من زيت الطعام، وكان دافئا وسكبه في أذنى وأمالها باتجاه الأرض وأنا أشد شحمة الأذن، وأخيرا خرجت الدعسوقة وانفجر الجميع فى الضحك، لم تجد الدعسوقة أو "حليمة الزياطة" عسل المن على المزروعات لكى تأكله فجاءت إلى شمع أذنى بالخطأ.. وجل من لا يخطىء.. وياله من خطأ!! ورغم الأذى الذى سببته لي، لم أكره ذلك المخلوق الجميل "حليمة الزياطة".