Atwasat

الجروح في جسد الأمة الليبية والحلول المنتظرة

أحمد محمد علي لنقي الإثنين 07 يونيو 2021, 11:01 صباحا
أحمد محمد علي لنقي

من يفحص حالة الجسد الليبي يلحظ وجود مجموعة من الجروح الغائرة في جسد الأمة الليبية تحتاج إلى معالجة فورية.

الجرح الغائر الأول هو ترك الاهتمام بشؤون الجنوب الليبي، أي إقليم فزان، حيث إنه قلب ليبيا الواهن من حيث مساحته الواسعة الشاسعة وثرواته المكتشفة غير المستغلة، والغالب أنها حبلى بثروات غير مكتشفة. ومصيبتنا في عجز وإهمال المسؤولين عن إدارته واستغلاله، بل الأخطر من ذلك هو عدم اتخاذ التدابير الأمنية الكافية التي تضمن الأمن الحدودي، مما ترتب عليه سهولة اختراق الحدود ودخول الإرهابيين وعصابات الجريمة المنظمة إلى الأراضي الليبية، ونتج عن ذلك عدم شعور الأهالي بالأمان.

أطالب بإنقاذ الجنوب وأهله فورا وإنهاء ما يتعرض له من مخاطر قد يتعذر تداركها، لأني أرى أنه لو توحدت جهودنا في الحفاظ على أمن فزان وإنعاشها اقتصاديا وتقديم الخدمات المطلوبة للمواطنين سوف تنضبط الحياة والأمن وينتشر إلى كامل الإقليم بل إلى ربوع الوطن بأكمله.
رغم وجود قوتين عسكريتين إحداهما في الغرب الليبي والأخرى في الشرق الليبي، إن لم يكن أكثر من ذلك، يستمر العجز عن اتخاذ أي خطوات إيجابية لتأمين الجنوب، الذي يضم جميع المكونات من عرب وتبو وطوارق وأمازيغ، نتيجة للتشرذم العسكري والسياسي الذي يسود البلاد، بل الأخطر من ذلك هو عدم اتخاذ أي تدابير أمنية وعسكرية لحماية الحدود نتيجة للخلافات بين القادة العسكريين. مما دفع الى استمرار المنافسة الشديدة والمطامع بين فرنسا وإيطاليا وروسيا على السيطرة على الجنوب الليبي.

ولا شك أن الأمة الليبية كلها هي الخاسر الأكبر من عدم إعطاء الجنوب الاهتمام الأول.

الجرح الغائر الثاني في الجسد الليبي هو انتهاكات حقوق الإنسان، وعن أحوال السجون والمحتجزين وأعمال العنف على أيدي المجموعات المسلحة، التي يجب أن تكون من أوليات اهتمامات المسؤولين وإيجاد الحلول الناجعة والعاجلة لهم، حتى تنتهي سيرة الخروج على القانون من قبل هذه الجماعات. ولا بد من الاهتمام بالوضع اللاإنساني للمهجرين وضرورة رجوعهم إلى بيوتهم وتسوية أوضاعهم.

وإذا أردنا تحقيق ما ذكرناه، فهناك ضرورة لدعم حكومة الوحدة الوطنية لأداء مهامها، وذلك بإنهاء الأجسام الموازية المربكة للدولة سواء كانت عسكرية أو سياسية.

الجرح الغائر الثالث هو عدم توحيد المؤسسة العسكرية وإصلاحها، وإلى أين وصلت المباحثات في هذا الشأن؟ ولماذا تأخرت؟ وما إمكانية توحيد المؤسسة العسكرية لكونها القوة الوحيدة القادرة على فرض هيبة الدولة وبسط نفوذها على كامل تراب الوطن؟ ولا يخفى أن الانقسام السياسي الحاد هو السبب الأساسي في ذلك. ولكن وفي ضوء وجود تفاهمات إقليمية ودولية حول الملف الليبي وتقدم اللقاءات الحوارية السياسية محليا، لنا أن نأمل في حصول انفراج في ملف المؤسسة العسكرية. ولن تكون هناك مصالحة وطنية حقيقية دائمة دون وجود جيش ليبي واحد.

أما الجرح الغائر الرابع فهو تراجع الاقتصاد وضعف السياسات الاقتصادية. ولا يمكن الحديث عن تحسين الاقتصاد واستقراره بحلول ملفقة وموقتة، مثل تعديل سعر صرف الدينار الليبي مقابل الدولار الأميركي فقط، بل الحل في استقرار الاقتصاد هو وجود حكومة وحدة وطنية فاعلة مع برنامج اقتصادي وخطة تنموية مع استمرار توحيد مؤسسات الدولة، وضرورة استرجاع القطاع الخاص لدوره كاملا ومشاركته القطاع العام، والاعتماد على تمويل المشاريع العامة من خارج الميزانية العامة، وأن تعمل حكومة الوحدة الوطنية على وضع اللبنة الأولى لبناء اقتصاد متين، من غير ذلك مضيعة للوقت وذر للرماد في العيون.

إن إنتاج النفط لا يتوقف على أسباب أمنية فقط، بل وجوب إعادة هندسة منظومة النفط في البلاد. وإذا أردنا الرجوع إلى المعدل القديم للإنتاج، وممكن أكثر، يتطلب ذلك تحسين قدرة الآبار للضخ بصيانتها وتطويرها، وتغيير سياسات مؤسسة النفط النمطية التي مضى عليها زمن طويل لم تتغير ولم تواكب السياسات النفطية العالمية وأن تكون بعيدة عن التجاذبات السياسية.

لعل القاسم المشترك في معالجة هذه الجروح الغائرة جميعا هو المزج بين: 1- بذل الجهد في الإصلاح الإداري ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، و2- دعم من يعمل لمصلحة البلاد من المسؤولين، و3- بذل المجتمع دوره في مراقبة أداء المسؤولين ومساءلتهم عن النتائج بصرامة، وترسيخ مفاهيم مثل وجوب بذل العناية الواجبة والتخطيط الرشيد والشفافية والمسؤولية عن الخطأ والمحاسبة الصارمة يمثل الخطوة الأولى باتجاه تصحيح المسار العام.

إن ممارسة الرقابة على العمل الرسمي مسؤولية الجميع بما في ذلك الأجهزة الرقابية والمجتمع بمنظماته. يتصل بذلك أن هناك حاجة لإزالة العوائق المتمثلة في وجود أجسام موازية وتحركات تربك المسؤولين وتشوش المجتمع. من جانب الحكومة، فإن مهمتها الكبرى هي أن تستكمل مسيرتها نحو أن تصبح حكومة وحدة وطنية بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وهذا يتطلب كثيرا من الحكمة والمرونة والقدرة على الاستيعاب.

هناك أيضا حاجة لضمان استمرار الحوار السياسي واستكمال مسيرة إنجاز استحقاقات خارطة الطريق. إن استمرار الحوار السياسي يسهم في تصميد التوافق على استبعاد اللجوء إلى خيارات عسكرية. ولا بد من عدم إعاقة أو عرقلة الانتخابات التشريعية المرتقبة. فضلا عن ذلك، هناك حاجة لحل مشكلة الإطار الدستوري الذي ينبغي أن تستند عليه الانتخابات. لا بد لنا أن نخرج من المأزق الدستوري المتعلق بالاستفتاء. في هذا الصدد، علينا ألا ندير الظهر للحلول المرنة التي طرحها عدد من المعنيين بالشأن الدستوري مثل اعتماد دستور 1951 كدستور موقت للبلاد. إنني أرى أن هذا الحل قد يكون مدخلا للخروج من مأزق الاستفتاء على مشروع الدستور إلى أن تهدأ النفوس وتستقر الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسلم الاجتماعي.