Atwasat

إنها ديستوبيا وكفى

أحمد الغماري الأحد 06 يونيو 2021, 10:19 صباحا
أحمد الغماري

نشر موقع بوابة الوسط يوم الثلاثاء الموافق الأول من يونيو الجاري مقالاً تحت عنوان "(ديستوبيا) ليست ليبية" للكاتب محمد عقيلة العمامي، يدور حول قضية جاءت في رواية (ما لم تسمعه الجبال) للأديب الراحل أحمد إبراهيم الفقيه، الصادرة مطلع إبرايل المنصرم عن دار (بورصة الكتب) للنشر والتوزيع بالقاهرة.

رأى كاتب المقال أن الروائي تناول قضية (الاتجار بالأيدي العاملة) زمن نظام معمر القذافي، واعتبر أن هذا التناول حسب تعبيره: "قد يُحَرف ويسيء ليس فقط للقذافي ولكن لجيل عاش أربعين عاماً وتولى في عهده، مناصب قيادية... وبالتالي لا يقبلون أن يحدث مثلما تقول الرواية ويصمتون" وأعرب الكاتب عن أن إقحام نظام سبتمبر كان أمراً جانبه الصواب. ثم لام الروائي أحمد الفقيه على اختياره مدينة طرابلس مكاناً للرواية قائلاً: "كان عليه أن يجعل مكانها خيالياً، حتى لا يلصق موضوعها المشين، ويسيء لجيل كامل من الليبيين عاشوا في ليبيا من سبتمبر 1969 حتى فبراير 2011"، لأنه حسب رأيه: "كثيرون منهم كانوا وما زالوا نماذج شريفة مشرفة للغاية".

صدمت عندما قرأت هذه الأسطر للكاتب محمد العمامي الذي لم تكن لي به معرفة أو علاقة سابقة، لكني رأيته مرة أو مرتين يأتي لزيارة الراحل إدريس المسماري في مكتبه، زمن تولي الأخير رئاسة هيئة دعم وتشجيع الصحافة بطرابلس، يومها كنتً سكرتير تحرير صحيفة فبراير. لكن من المؤكد أن الراحل أحمد إبراهيم الفقيه وكاتب المقال كانا على معرفة أو علاقة وطيدة في يوم من الأيام. هنا تساءلتُ في قرارة نفسي هل لو أن الفقيه ما يزال حياً، كان سوف يرحب بهذا المقال ويسكت؟. إم أنه سوف يتملكه الغضب، لأن المقال قوله ما لم يقل، وتخيلت أنه سوف يرسل مقالاً إلى موقع بوابة الوسط يوضح ويرد على ما جاء في مقال العمامي. وبما أن كاتب الرواية - رحمه الله - لم يعد بيننا، رأيت باعتباري أحد أصدقائه المقربين أن أضطلع بهذا الدور، من منطلق الأمانة العلمية، ثم من منطلق الواجب الذي يحتم توضيح ما قد ورد في الرواية ويخالف ما جاء به الكاتب محمد العمامي في مقاله المذكور.

أولاً. في الاستهلال والإهداء الذي افتتح به الفقيه الرواية كتب منوهاً التالي: "إذا كان عالمَ ما بعد الانتفاضة الشعبية في ليبيا، وما رافقها من خيبات، هو ما أوحى لي بأحداث الرواية، فإن عالمها لم يكن يدور في الفترة نفسها، وإنما ذهبت إلى تاريخ سابق لثورة 17 فبراير، وما حفلت به العقود الأربعة من عمر نظام سبتمبر من فترات شد وجذب وتوتر واسترخاء وتأزم وانفراج، كان سهلاً أن ألتقط من بينها صورة لما يمكن أن يغذي رواية من هذا النوع، غير أن الصورة القاتمة في مجال المال والأعمال خاصة إذا كان متصلاً مباشرة وعضوياً بالكمبرادوريّة العالمية، وتوحش الآلة الرأسمالية الغربية التي يزيدها قبحاً اتصال بعض مؤسساتها بالمافيا العالمية، فإنه في المقابل كانت هناك روح المقاومة المغروسة في عمق الأرض الليبية التي تشكل جزءاً من المعدن الأصيل لأهل البلاد ومثلت بالتالي الجانب الإيجابي الذي يحقق التوازن مع أجناد الفساد والظلام في عالم الديستوبيا". هنا يتضح جلياً أن الراوي لم يقصد من وراء ذلك تشويه الليبيين من خلال إقحام عناصر قليلة جداً عملت مع إدارة (الشركة العالمية للتجارة) التي تدور حولها حبكة الرواية، إنما أراد خلق صراعٍ بين من يمثلون جانب الفساد (في الشركة) وأولئك الذين يمثلون مكافحته وهم: (بطل الرواية وفرانك الصحفي الإنجليزي).

ثانياً. ذكر السيد العمامي جملة: "الاتجار بالأيدي العاملة التي تنوي الهجرة غير الشرعية" والرواية تشير - في الأساس - إلى سوء معاملة اليد العاملة الأفريقية من قبل شركة تابعة إلى (الشركة العالمية للتجارة) التي يديرها شخص أمريكي من أصول ليبية، ذلك من خلال شرعنة وجودهم في ليبيا، ووفق شروطها الصعبة، وغضها الطرف عن توفير التأمين الصحي والعيش الكريم واللائق لهم. ثم هناك فرق شاسع بين مصطلح (الاتجار) الذي ذكره السيد العمامي في مقاله، الذي يعني: (فرض ضرائب مالية كبيرة على الشخص الأجنبي مقابل الحماية أو تهريبه إلى خارج الحدود)، وبين مسألة سوء المعاملة والاستغلال المجحف للعمال الأجانب كما ذكرت الرواية. وهنا بطبيعة الحال لا أدافع عن سوء معاملة العمال الأجانب، لكنه يحدث الآن في دول عدة من العالم لا تحترم حقوق الإنسان، وهو أمر مرفوض، وحدث في ليبيا زمن نظام القذافي، لاسيما غداة خلافاته مع حكومات دول الجوار بطردهم أو بتجريدهم من الحقوق.

ثالثاً. أستغرب إنكار كاتب المقال على الفقيه وصفه لبعض موظفي وأجهزة النظام السابق بالتورط مع (الشركة العالمية للتجارة) في فسادها. كما لو أن النظام السابق كان جله نظاماً ملائكياً. لا يمكننا أن نتخيله يرتكب جرائم في مجال حقوق الإنسان. من يعرف النظام السابق ومسؤوليه معرفة جيدة، يعرف سجله في هذا المجال. لذا - من وجهة نظري - ليس ثمة أية مبالغة فيما جاءت به الرواية، بل إنها رسمت صورة متخيلة وقريبة جداً لصراع داخل النفس البشرية بقلم فنان مبدع يرسم بالكلمات.