Atwasat

(عُقبى لداير)

جمعة بوكليب الخميس 13 مايو 2021, 12:02 مساء
جمعة بوكليب

"عُقبى لداير عيدكم سعيده، ورمضان سافر لبلاد بعيدة." ومن أمدَّ الله في عمره سيلتقيه مجدداً لدى عودته القادمة، محمولاً، كالعادة، على جناحي الزمن. وندعو الله أن يجعلنا منهم. لذلك، أنتهز الفرصة لأهنئكم بعيد الفطر المبارك، ولأتمنّى لكم جميعاً، أينما كنتم وحللتم، عيداً سعيداً ملؤه الفرح والبهجة والسلام. وأتمنى على الله أن يأتي العيد القادم وقد تمكنت بلادنا من الخروج من نفق الصراعات والتحارب والفرقة، الذي دُفعت نحوه. وأن نرى ليبيا وقد تجاوزت محنتها، وتخلصت من كل جُند المرتزقة من مختلف الجنسيات، الذين دنسوا بأحذيتهم أرضها، وانتشروا على جلدها كالدُمل، غرباً وشرقاً وجنوباً، مستبيحين سيادتها، وكرامتها، وناهبين ثروتها. وأن يمنّ الله عليها بنعمة السلام والاستقرار، ويعود الودُ والوئامُ إلى قلوب أهلها. آمين.

العيدُ مقترن بالتسامح والسلام، وصفاء القلوب. وبدونهم لا معنى للفرح بإطلالته، والتغني بقدومه. وفي غياب أزير الرصاص، وهدير المدافع والصواريخ، والمتاريس والبوابات والتبّات، وعويل الأمهات وصراخ الأطفال، كل يوم عيد. فشكراً لله على نعمائه.
العيدُ في الأرض مقترن بالتراضي، وليس بالخصام والتشاحن وتفاقم الكراهية بين أبناء شعب واحد، يتوجهون بوجوههم وبقلوبهم وبدعائهم وصلواتهم، خمس مرات في اليوم، إلى قبلة واحدة، ويتواصلون، ويفرحون ويبكون، بلغة واحدة، ويأكلون من قصعة واحدة.

العيدُ في الأرض، فسحة للنفس، كي تخرج من ظلام صدفتها إلى ضوء النهار، وتمد برضا وبفرح كلتي يديها نحو غيرها، مصافحة ومهنئة وفرحة، ومتمنية الخير. ومؤكدة على خصوصيتها، وفي نفس الوقت، وعلى عميق انتمائها إلى الإنسانية، وعلى هوّية تشكلت عبر العصور، مشتركة، وإلى عقيدة عميقة الجذور في تربة القلوب، وإلى ثقافة تكونت، عبر السنين، من فسيفساء مكوناتها السكانية ، وإلى ماض وحاضر ومستقبل مشترك.

العيدُ في الأرض، فرصة سنوية تتاح للمرء ليس فقط لشراء وارتداء ثياب جديدة. بل أن ينزع عن نفسه جلده القديم بما حمل من أوزار، وما التصق به من تلوث، ويستبدله بآخر، خال من التشوهات. وأن يفرغ حنايا قلبه مما ثقلت به من أحمال الأحقاد والضغائن، ويلتقي أهل بيته وأخوانه وجيرانه بقلب نظيف وخفيف الأحمال، لا مكان به لأحقاد الماضي.
العيدُ في الأرض، أن نعرف أن السلام الذي ننشده، والوطن الذي نحلم به، لا يتحقق إلا بتوفر النوايا الطيبة، وبالعزيمة وبالإرادة. وأن اللهاث خلف سراب الثروة والنفوذ، بكل الوسائل، يقود إلى فتنة لا تصيب أصحابها فقط، بل تطال كل من حولهم. تجارب السنين الماضية مازالت حيّة ماثلة في الأذهان وفي القلوب، ولا يمكن تجاهلها. وكلها تؤكد، أن تدمير البلاد التي ننتمي إليها وتجمعنا بأيدينا، سيقودنا جميعاً إلى حيث لا نريد ولا نتمنّى ولا نشتهي.
العيدُ في الأرض، أن تنهض باكراً، فرحا مستبشراً، وتغادر بيتك، ليس برغبة أن تؤدي واجباً اجتماعياً أو دينياً، وتردد كلاماً لا تعيه ولا تعنيه. بل، قبل أن تغادر بيتك، عليك أن تفتح كل نوافذ قلبك، على كل الجهات، وأن تخرج إلى الشارع ليس بغرض أن تهنيء غيرك بانتهاء شهر صيام آخر، بل بهدف أن تعزز انتماءك إلى بني جلدتك، وكل الإنسانية، وأن تقوي من حضورك بينهم بما يكمن في داخلك من إمكانيات الخير، وبما يعود على نفسك، وعلى من حولك بما يفيد، ويجعل الحياة سهلة، وتستحق الحياة.

العيدُ في الأرض، أن تتذكر وأنت سارح في مدن بلاد غريبة، أن الغربة قدر الإنسان وليست أمراً طارئاً. وأن عجمة اللسان الذي تعلمت أن تتكلمه، لا يعني، مهما طال بك الوقت، تغيّر الألوان وتألقها في أبجدية قلبك، التي ورثتها عن أمك وأبيك. وأن مؤشر بوصلة قلبك، وإن تشعبت الطرق، واختلفت الدروب وتكاثرت، مازال متموضعا ومشيراً إلى اتجاه نفس ذلك المكان البعيد جغرافياً، والذي صدف وأن رأيتَ، ولمستَ وعرفتَ فيه وجه أمك، ولثغت، أول مرّة، باسمها منادياً.

كل عام وأنت بخير يا أمي.
كل عام وأنتم جميعاً بخير ووئام وهناء وسلام.