Atwasat

شيش وشاوش!!

صالح الحاراتي الخميس 13 مايو 2021, 11:57 صباحا
صالح الحاراتي

فى إحدى جولاتى في شوارع وحواري شبكة المعلومات وجدت عبارة لفتت انتباهي، وهي عبارة "ضرب شيش". وبالبحث عن كنهها ومعناها عرفت أن الشيش كلمة يقال أن أصلها فارسي، وتعني السيخ المعدني.. أو نوعا مِنَ السيوف الدقيقة وَالْخفيفة تُحِيطُ بِمقبضه دائرة كُرَوية.
ومن ذلك جاءت عبارة مشهورة وهى (شيش كباب) حين يغرزون السيخ المعدني في قطع اللحم لغرض الشواء.. ولكن ما أنا بصدده هنا هو الوجه الآخر لاستعمال كلمة شيش فى المشرق العربى وهى عبارة: "ضرب الشيش"
وهي إحدى مظاهر وطقوس جلسات (الحضرة) التي يقوم بها شيوخ طريقة صوفية معينة، حيث يتخلل تلك الجلسات استعراضات تتضمن غرس سيخ معدني (شيش) أو أي أداة حادة كالسكين في جسد "المريد" أو وجهه… ومن المثير في تلك الظاهرة عدم حدوث نزيف دموي على الرغم من اختراق "الشيش" لجسد الشخص من الجانب إلى الجانب الآخر في بعض الأحيان.

فى بلادنا حضرت أنا مثل تلك الطقوس (الحضرة) التى يتم فيها ضرب السكاكين فى أجزاء مختلفة من الجسم، وهناك ايضا أكل المسامير أو قطع من الزجاج أو أجزاء من نبات التين الشوكى، وأحيانا يتم تسخين "منجل" على النار حتى يحمر ثم يمرون به على لسان أحدهم. كل تلك الطقوس شاهدتها بأم عينى.

والمشهور أن من يقيم تلك الجلسات أشخاص يتبعون طريقة شيخ معين في الذكر والزهد.. وأتباع تلك الطرق يؤمنون أن من يقوم بذلك الدور يكون لديه "كرامات" من الله أو قدرة فريدة.. على الرغم من أننى أعرف أن حدوث تلك الظاهرة لا يقتصر على هؤلاء، بل يمكن أن نشاهد طقوسا مشابهة أيضاً في بعض طقوس الديانة الهندوسية.

أما "شاوش الحضرة" !
فكلمة شاوش: تبدو لفظا شبيها بـ جاويش فى اللغة التركية. ويبدو أنها حرفت في لهجة العرب إلى شاويش، ثم في معظم الدول المغاربية إلى شاوش، وتعني عريف وهي رتبة معروفة، ويقال أيضا أن شاوش تعني ضابطا في المخابرات العسكرية نسبة لـ "شواش" بالتركية.
والحضرة يكون على رأسها شيخ عارف بالطريقة يقود الجمع على كل ما من شأنه إمكان الوصول إلى لحظة الصفاء.. يساعده فى تنفيذ الطقوس "شاوش الحضرة" وهو بمثابة المدير التنفيذي كما وصفه أحد أصدقائى.

ويقال أن "الحضرة" سميت بذلك لأنها سبب لحضور القلب مع الله، وهي ركن هام في بعض الطرق الصوفية.. ويتم فيها أداء أشكال مختلفة من الذكر، ونصوص من أدعية وأوراد معينة، وكذلك الدعاء والذكر الجماعي بشكل إيقاعي، مع ترديد أسماء الله الحسنى.. وتطور أمر الحضرة بعد ذلك وصار ضرب الدفوف أثناء الحضرة أمرا أساسيا مصحوبا بالرقص والتمايل، وقد تستخدم آلات أخرى مع الدفوف كالمزمار"المقرونة".. ثم دخلت على الحضرة أجواء من الخوارق "كضرب السكاكين وأكل المسامير وقطع الزجاج المتكسر وقطع من نبات التين الشوكى كما أسلفنا، وقد رأيت بنفسي أيضا البعض من أصحاب المواهب الخارقة الذي يسمونه "القطاطسي" وهو من يتسلق النخل بدون استخدام أي وسيلة مساعدة معتمدا على يديه فقط ويقوم بذلك بعد أن يصل إلى مرحلة من النرفانا وهو يرقص على إيقاع الدفوف ويميل برأسه في كل اتجاه ثم يقفز إلى اي نخلة مجاورة ويجلس على القمة غير مضار من أشواكها.

سمعت رواية عن والدتى رحمها الله
وهي تحكى لى أن والدي كان شاوش
حضرة وقد سأله أحد الأقارب.. لماذا لا تأكل المسامير والزجاج مثل الآخرين يا أحمد فقال:
أنا لا أدخل شيئا في جوفي إلا (الشعير والطعام) والطعام فى لهجتنا المحلية يعنى القمح.. وقال أنه يستمتع بالحضور والإيقاع والذكر، ولكنه لا يذهب إلى ذلك الشطط.
يعتبر أهل الصوفية أن هناك أصلا للحضرة في الإسلام وذلك بالرجوع إلى تفسير بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تدعو إلى الذكر والدعاء الجماعي والصلاة على النبي ويرون أنها من الوسائل التي ترفع العزم والهمة وترغِّب الفرد في أداء واجباته الدينية، في حين تعتبرها السلفية الأصولية بدعة ليست من الإسلام.

عند حضورى (للحضرة) أرى شاوش الحضرة وهو يهتف بأعلى صوته وينادي الرسول أو أحد الأولياء الذين يعتقد فى كراماتهم. ثم يردد شيخ الحضرة اسما من أسماء الله الحسنى، ويردده باقي المريدين جماعة، ويتمايلون ويهزون روؤسهم يمينا ويسارا مع إيقاع الدفوف، ويستمرون هكذا إلى أن يدخل أحد المريدين في غيبوبة ويزداد في التمايل بعنف وبدون توقف إلى أن يأتي "شاوش الحضرة" فيمسك به، ومعه بعض المساعدين إلى أن يوقعوه أرضا، ثم يأتي شيخ الحضرة ويقرأ عليه شيئا من القرآن، والتعاويذ ثم يفيق المريد من نوبته، ويقوم كأن لم يكن به شيء.
وكنا ونحن أطفال نخاف القرب من الحضرة وخاصة التى بها ضرب السكاكين وغيرها؛ ولكن عندما
كبرت وكنت طالبا فى كلية الطب حضرت "حضرة" بها أحدهم يضرب السكين فى بطنه وعينه ورقبته، وهناك من قال له أننى غير مقتنع بذلك.. فاقترب منى ذلك بسكينه وأخذ يضرب به بطنه لكى يقنعني بما يفعل.. نعم رأيت ذلك بوضوح.. خرجت حينها خارج المكان وأشعلت سيجارة وأنا أحاول تفسير ذلك علميا، ولم أصل لنتيجة بعد.