Atwasat

ألفة المرارة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 09 مايو 2021, 09:32 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

الطعم المر، أو المرارة، من الطعوم التي توجه خيارنا للأطعمة والمشروبات. وهي من الطعوم غير المرغوبة. لكن درجة ما منها يمكن أن تضفي رونقا على المشروبات، خاصة إذا اختلطت بطعم حلو، كما في مشروب البتر صودا Bitter soda، ومعناه: الصودا المرة، حيث تخالط حلاوته لذعة مرارة محببة. أو تخالط مشروبا شبه محايد الطعم، مثل الجعة. كما أن ثمة من يفضلون، بغض النظر عن الدوافع الصحية، شرب الشاي والقهوة والكاكاو، وما شابه ذلك، خالية من السكر.

ولنفور الناس من المرارة صاروا يصفون بها الحياة الضنكة البائسة. حياة مرة، ويصفون معاناة الظروف المعاكسة بأنها معاناة مريرة. وصاروا يقرنون الصبر بالمرارة. فالصبر مرٌ. وأطلقوا على مادة فائقة المرارة اسم "الصبرُ مرْ".

من الثمار التي يضرب بها المثل في المرارة ثمار نبات الحنظل، الذي يسمى أيضا العلقم.
في قصة لي كتبت في تسعينيات القرن الماضي عنوانها "منابت الحنظل" يأخذ الحنظل بمجامع تفكير بطل القصة ويصبح متحكما في حياته. "أخذ الحنظل، منذ سنوات مديدات، يخطر على باله (أو، ربما، كان باله هو الذي أخذ يستدعيه) كثيرا". صار الحنظل " يلاحقه حتى في المنام: الشوارع يستقر على جانبيها الحنظل متألقا تحت وهج الشمس أو الضوء، أو يقبع منطويا مستجيبا لمعطيات الظل أو العتمة. أو يتدحرج مسابقا الأقدام والعجلات ومزاحما لها. كما أن الناس الذين يشاهدهم متحنظلون. فوجوه الرجال وأجسادهم وكذلك ملابسهم بلون الحنظل، ووجوه النساء تأحذ شكل الحنظل ولونه.. جدائلهن تتدلى متخذة شكل فروعه.. عيونهن خضراء بلون شحم الحنظل أو بنية فاتحة بلون بذوره.. [...] البيت يمتليء بالحنظل، وفوق السرير وتحته تتمدد نباتات الحنظل، تزدهي أوراقها وأزهارها وتستريح ثمارها.

تقول زوجته:
- الغداء اليوم حنظل.
أو تأتيه بكأس طافحة قائلة:
- هذه كأس حضرتها لك من روح الحنظل".

إنه وضع كابوسي، حنظلي أو علقمي، بامتياز. وتتطور الأحداث بشخصية القصة بحيث يقرر تذوق الحنظل ليختبر ما يشاع عن مرارته. فيكتشف أن الحنظل لم يعد مرا. فقد، بالنسبة إليه، مرارته. وهذا ينطبق عليه قول الحسين بن منصور الحلاج: "إذا دام البلاء بالعبد ألفه". تلك قدرة الإنسان على التكيف مع الظروف المعاكسة حفاظا على درجة من التوازن العقلي والنفسي.

أكثر من صديق أخبرني أنه بقي عدة أيام مريضا (بالمعنى الفعلي للكلمة) بعد قراءته هذه القصة.

مع التقدم في العمر يقل الإحساس بطعم الملوحة والمرارة. ربما لأن المرء يكون قد جرب مرارات متنوعة وألفها ولذا لم يعد جهاز التذوق لديه يركز عليها وينبهه إليها.