Atwasat

ليس خطابا.. ليست رسالة: صوت من القاع إلى رئيس الحكومة

سالم الكبتي الأربعاء 05 مايو 2021, 03:19 صباحا
سالم الكبتي

(لا توجد وطنية.. دون انتماء حقيقي إلى الوطن).
أنت الآن رئيس الحكومة في بلادنا. نحن نشفق عليك. لكننا، في الوقت نفسه، لا نستطيع الصمت كثيرا. أحيانا الكلام ضرورة مثل الملح في الطعام، بشرط ألا يزيد في ارتفاع الضغط والأعصاب. إن الحكومة التي ترأسها ويفترض، كما قيل، إنها حكومة (الوحدة الوطنية) جاءت بعد مخاض طويل نضج بالدرجة الأولى بفعل الظروف الدولية. وهي- أقصد الحكومة- بهذا المعنى أكدت دون أن تدري أن الوطن منقسم على نفسه في الواقع والحقيقة.. وجاءت بعد هذا المخاض الطويل لكي تحقق الوحدة الوطنية في رمشة عين!

والانقسام، أو الشرخ، الذي أطل برأسه أمر يلاحظ بوضوح، وهو للأسف لا يختلف عليه اثنان حتى هذه اللحظات من عمر الزمن التي يطلع فيها صوتنا من قاع البئر. وفي كل الأحوال ورغم حالات الانكسار والحزن استبشر الناس في هذه البلاد بحكومتك وتغزل أغلبهم في عيونها وصفقوا حتى تعبت الأكف ورأوا أنها بوجودها هذا وتوقف الخلاف والكراهية عقب إعلانها في الأشهر القريبة يعد انتصارا للوطن والمواطن قبل أي شيء آخر في كل الظروف. لكن ذلك ظل عند الكثيرين من أبناء الوطن ليس نهاية للحلم في الصدور أو الطمع في إنجازه على الأرض، فالعناد عندنا، أيها السيد رئيس الحكومة، أكبر من أن يطاق ويبدو أنه سيستمر معنا إلى أن يدركنا الله بمعجزة من السماء. فتشكيل الحكومة شيء. والعناد شيء ثانٍ بمقياس الناس في بلادنا. الحكومة في جانب ستظل. والعناد بدوره سيبقى في جانب مقابل. لا يلتقيان مطلقا. وقد رأى هؤلاء الناس أن الحكومة بعض من الحل وليست حتى الآن كل الحل. فما زال المزيد من الصعاب والفخاخ والمطبات، ويغدو أن ما يتردد بأن الحكومة من مهامها (الأولى المهمة) الوصول إلى الانتخابات في عيد استقلال البلاد السبعين وذكرى دستورها (القديم)! السبعين أيضا.. وذكرى تصدير أول شحنة من بترولها إلى العالم منذ ستين عاما. يغدو ذلك وسط هذا التفاؤل وهذا العمر السبعيني للدولة التي قاربت الشيخوخة ومرحلة التعقل الكامل أمرا بعيد الاحتمال كما يقال عادة في النشرات الجوية!

فهل في الحكومة الوطنية غير (الحكومة الوطنية)؟ أنت وحكومتك في موقف لا تحسدان عليه. وكذا المجلس الرئاسي. لكن البدايات الأولى في الطريق كانت محبطة، إن لم تكن مخيبة بالمرة. صحيح أنه من العسير مطالبة حكومة بهذا الشكل والوضع أن تمسك لنا السبع من ذيله أو تمطر علينا ذهبا. إن بعض الخطوات التي تتابعت ولم تنتهِ تجعل أهل البلاد يحتارون في أمرهم وينقسمون شظايا مع وجود الانقسام والعناد أصلا. فرغم أن الحكومة يقال عنها حكومة (وحدة وطنية) فإننا لم نرَ حتى اللحظة من هذه الوحدة شيئا، والوطن ما يزال منقسما على نفسه شئنا أم أبينا، رغم القصائد والخطب والتصريحات والاجتماعات. ليس هناك خطوة حقيقية تتجه نحو تعزيز الثقة وبنائها لدى المواطن في الانتماء إلى وطنه وإشعاره بالمسؤولية والمشاركة وتحقيق التربية الوطنية ووضع برامج لتغيير السلوك عبر خطة علمية ومدروسة تنفذ هذه الغاية. إنها أولى الخطوات العاجلة قبل أي شيء آخر.. قبل الأناشيد والمراسم والاجتماعات إضافة إلى القضاء على خطاب الكراهية ودعوات المقت والتباغض والعناد لدينا. فأين الوحدة الوطنية وأين الحكومة التي تحمل شعارها منها؟ إن ذلك من المستحيلات.. مثل العنقاء لاغير.

ما يشاهده المواطن وما يحدث بعيد جدا عن أصول الوحدة الوطنية والانتماء والإحساس بحاجات المواطن الملحة في الوجود والعيش بأمان وطمأنينة (كورونا وانقطاع الكهرباء المتواصل دون أن يعرف الفاعل.. مثالا). فلماذا وسط هذه الهموم والمعاناة وبمجرد ولادة الحكومة تهرع هي والرئاسي في زيارات إلى خارج الوطن والبحث في قضايا لا تهمنا الآن. ولا تهرع بالقدر نفسه، إن لم يكن أكثر، إلى داخل الوطن.. إلى المواطن ذاته وعقله وتفكيره وتتحدى مشاكله وأزماته الصحية والخدمية فقط؟

إن هذه الرحلات التي تمت، والتي أيضا ربما ستتم، ليس وقتها وليست ضرورية. لماذا لا يأتي الآخرون بنفس الحماس ويشاركوننا همومنا ولا يبحثون عن مصالحهم على حسابنا. لماذا لا تهرع الحكومة والرئاسي في زيارات إلى الداخل المتعب والمقهور والمكسور طوال الليل والنهار. لماذا لا تكون الرحلات الحكومية والرئاسية إلى الجفرة ومناطق فزان والكفرة وزلة والجغبوب وإجدابيا وصبراتة والتميمي وغريان وغدامس وأوباري.. وغيرها. لماذا. هل من الضروري جدا ساعة ميلاد الحكومة والرئاسي أن نبدأ خطواتنا بعد قطع حبلنا السري باللهاث السريع بالخروج الذي لم يتوقف إلى الخارج وننسى أن أهم الرحلات وتوكيد الوحدة الوطنية وصيانتها هي إلى الداخل.. داخل الوطن مدنا وقرى وواحات وأريافا. وتلمس مشاكله المزمنة وجراحه النازفة وجمره الذي يتقد تحت الرماد.

هل تعرف الحكومة والرئاسي على سبيل المثال ماذا يحدث في الجنوب الذي نتغنى به ونتحدث عن صحرائه وثرواته وتموره وفنونه، ونجهل أو نعتم على ما يدور خلاله. هل سمعنا بمحاولات التغيير الديمغرافي والتهجير للسكان الأصليين.. قطعة قطعة؟

هل تعرف الحكومة، أو عرفت ولم تتقدم خطوة نحوها، عن مشاكل المواطن الحقيقية اليومية ما دامت لا تريد أن توجه أنظارها بالدرجة الأولى إلى إنجاز انتخابات ديسمبر المفترضة والتي إن تمت فستكون كسيحة أو ميتة قبل أن تفتح الصناديق وتعلن النتائج!

ثم ما هذه العاهة يا سيادة رئيس الحكومة التي تلاحقنا وكأنها قضاء وقدر. عاهة قبيحة اسمها الأقارب والعلاقات الاجتماعية والأصحاب. ما هذا التخلف الذي يطاردنا عبر الأيام. الذي تؤكده الحكومة بإقصاء كل الكفاءات والخبرات وكل البشر الليبيين الذين يحبون ليبيا دون أية مزايدات أو شعارات وتقريب أصحاب الحظوة في المناصب. كيف سندخل إلى الانتخابات بهذه الروح العاجزة. نحن لا نريد أن تحضر الحكومة السبع من ذيله، كما قلنا، لكنها قبل فوات الأوان تستطيع أن تستيقظ بواسطة الضمير الوطني وتتدارك ما يحصل من أزمات وظلال تلقي بالشكوك في النفوس. إن ليبيا تحتاج إلى المخلصين في كل العصور ولا تحتاج إلى المنتفعين الذين لا يعرفون من ليبيا ووحدتها الوطنية سوى براميل البترول والعمولات والقبلية والجهوية والمحسوبية. ثم ما هذه التعيينات بالجملة لمن لا يستحقون في واقع الأمر وجعلهم يتبؤون مناصب ومسؤوليات حساسة تمت بالترضية المناطقية والطبطبة القبلية وكأنه لا يوجد في ليبيا إلا هؤلاء. أين الوحدة الوطنية من ذلك كله؟

كنا نطمح أن تكون خطوات الحكومة الأولى مبشرة بخطوات وطنية تنم عن الحرص وتعبر عن الواقع الراهن وتجتاز مشاكله وحساسياته وتشعر الجميع بالراحة وتشركهم في المسؤولية وتحملهم الواجبات وترعى لهم الحقوق وتصونها في هذه الفترة من الحول المضروب، لا أن تستفزهم، وتوصلهم بأمان إلى تلك الانتخابات. كنا نطمع، والطمع مصيبة، بحكومة لا تقفز على هذا الواقع في هذه الأيام المعدودة من عمرها.

فيا أيتها الحكومة ويا أيها الرئاسي معا.. قليلا من الخجل. بعض الحياء.. وكثيرا من الوطنية. إن الأصوات تنادي من قاع الوطن محذرة من أن يغرق هذا الوطن كله بهذه التصرفات في بحر من الظلمات قبل أن تتحقق الوحدة الوطنية. ويا أيتها الحكومة ويا أيها الرئاسي.. مع كعك العيد أقضوا لنا على وباء كورونا وأنقذونا من انقطاع الكهرباء.. ثم عليكم السلام!!