Atwasat

مصطلحات؟

صالح الحاراتي الثلاثاء 04 مايو 2021, 12:09 صباحا
صالح الحاراتي

منذ أن قرأت تدوينة للمثقف الكبير المرحوم الدكتور بشير الغريانى تحدث فيها عن نمط الحكم الذى يشار إليه بمصطلح "الكاكيستوكراسي" وخلاصته أنه نوع من أنظمة الحكم التى يديرها أسوأ المواطنين وأقلهم كفاءة وأكثرهم انعداما للضمير، وأنا أحاول أن اتبين إمكانية إسقاط عدة مصطلحات سياسية على الواقع الذى نعيشه.

والسطور القادمة هى محاولة متواضعة منى لجمع شتات بعض المصطلحات المتناثرة فى المشهد حتى لا تذهب بنا تجربتنا فى مجال السياسة إلى التحول من نظام سابق يمكن أن نسميه "أوتوقراطى" أي نظام حكم الفرد إلى أنظمة آخرى ممكن أن نسميها "كليبتوقراطى" أو "بلوتوقراطى"؟.

فما معنى تلك المصطلحات وما هي علاقتها بالواقع المعاش.
لقد جربنا الأوتوقراطية طيلة عقود وصار تعريفها اليوم تحصيل حاصل.. إذ "الأوتوقراطية" أو الاستبدادية هى أسلوب قيادة يتسم بسيطرة فرد على كل القرارات دون مشاركة مع أي مؤسسة، أي هى حكم الفرد الحاكم المستبد، وهو النموذج الذى كان سائدا.. حيث يتخذ القائد الفرد القرارات بناءً على أفكاره وأحكامه وأحلامه، ونادرًا ما يقبل نصيحة من الآخرين، فالقيادة الأوتوقراطية تنطوي على السيطرة المطلقة على اتخاذ القرار، وبذلك تنتفي أي إمكانية للإصلاح التى كان يروج لها البعض، لأن العمل تحت هذا النوع من القيادة يميل إلى السير وفقًا لقواعد محددة ولا يمكن التفكير خارج الصندوق، مما لا يفسح مجالاً للإبداع.

غالبا ما يكون الحاكم الفرد صاحب فكر منغلق، بحيث يشابه بل ويماثل رجل الدين فى طريقة تفكيره، أي أنه لا يتيح لأحد أن يتساءل ويتأمل ما يقول، ولكنه يقدّم قناعاتٍ جاهزة وأقوالًا خارج سقف النقد والمناقشة، وما على الجميع إلا القبول بها، أي أن ما يقوله يرتقي إلى مرتبة القداسة بحيث يصير ما يقوله، الحل المثالى لمشاكل البشرية، ووصفة لعلاج أمراض المجتمع، وتخرج أقواله كصفقة واحدة تحت عنوان (الحل النهائى)!.

سقط النظام السابق واغتنم بعده فرصة فراغ السلطة، تيار آيديولوجى منظم وتحت سمعه وبصره ظهرت تيارات دينية متطرفة، عاثت في الأرض إرهابا وفسادا وفوضى، وأنتج الصراع على السلطة والمال عدة حروب حتى وصلنا إلى الحرب الأخيرة على العاصمة طرابلس التى تم تعريفها وتوصيفها بحرب الدكتاتور العسكري الطامح للسيطرة على مقاليد الأمور، ولكن تحت شعار محاربة الخونة والأخونة والدعشنة، ولكن الذى حدث هو تواجد تحالفات مقابلة هزمت ذلك المشروع وأوقفت تلك المحاولة رغم تناقضات توجهاتها، وعندما سعت الأمم المتحدة إلى المساعدة فى إيجاد الحل قال أحد المشاركين فى ملتقى الحوار كان هناك تجاذب بين مؤيدي الإسلامنجية والعسكر ففاز تيار المال.. وكأنه يقول أننا ربما نذهب إلى نظام (البلوتوقراطية) ذلك المسمى الأشهر للنظام السياسى القائم على حكم (الأثرياء) أي التي تكون فيها الطبقة الحاكمة مميزة بالثراء..

ومعلوم أن كلمة "بلوتوقراطية" في السياسة المعاصرة تعنى أمرا سلبيا لأن العملية السياسية خاضعة لتأثير المال بشكل كبير وغير متكافئ.. حيث تكون درجة التفاوت الاقتصادى عالية للغاية، أي أن الفجوة بين الطبقات تكون شديدة الاتساع وتكاد الطبقة الوسطى التي تقوم عليها المجتمعات المتقدمة شبه منعدمة.. ولذلك أدان الكثير من المفكرين عبر التاريخ ذلك النظام وأولئك الحكام لتجاهلهم مسؤولياتهم الاجتماعية، واستخدامهم سلطتهم لصالح أهدافهم الخاصة، وبالتالي زيادة الفقر وتغذية الصراع الطبقي، وإفسادهم للمجتمعات بسبب جشعهم واهتمامهم بمتعهم الذاتية.

على أرض الواقع وفى بلادنا.. لدينا ما يسمى برجال أعمال، ولكنهم فى تقديرى هم ليسوا كذلك بل الحقيقة أنهم (أثرياء بفعل نشاط السمسرة والعلاقة الفاسدة بأهل السلطة يوما ما وحتى الآن، بمعنى أنهم ليسوا من أهل الصناعة أو الزراعة أو التعمير) وهو أمر يراه الناس بوضوح حيث كان النظام الاقتصادى سابقا وحاليا مركزيا وفى قبضة السلطة الحاكمة ومن يتقرب بخدمات لها يناله شيء من الثروة! واستمر ذلك الحال إلى يومنا هذا، خاصة أثرياء الاعتمادات والفساد الذي لم يعد خافيا على أحد وبشهادة التقارير الدولية.

وقد بدأ يظهر تاثيرهم على مجريات المشهد السياسي من خلال تأثيرهم على وسائل الإعلام ومن خلال شراء الذمم وغير ذلك من الممارسات الفاسدة.. ولا تغرنكم مفردة "الحاج" التى تسبق أسماء بعضهم. فهي لا تعني الفضيلة والتقوى لحال صاحبها.. ولكن فى غالب الاحوال هو لقب اجتماعى بغرض الوجاهة.. ففى ظني، مجتمعنا متخم بمظاهر التدين.. لكن لا زالت هناك مسافة تبعده عن جوهر الأخلاق!!

ونأتي هنا للحديث عن حكم اللصوص أو (الكلِبتوقراطية)
ذلك المصطلح الذى أشارت إليه السيدة ستيفانى المبعوثة الأممية وهى تصف المشهد المتخم بالديناصورات وتعني انتشار سرقة المال العام بشكل كبير.
الكلبتوقراطية تعنى وجود حكومة يستخدم قادتها الفاسدون السلطة السياسية للاستيلاء على ثروة شعوبهم، عادةً عن طريق اختلاس أو سرقة الأموال الحكومية على حساب عموم السكان.. واللفظ مركب من مقطعين باللغة الإغريقية؛ أولهما "كلبتو" بمعنى لص، وثانيهما "قراط" بمعنى حُكم.
في نظام حكم الكليبتوقراطية، يُثري السياسيون الفاسدون أنفسهم سرًا خارج سيادة القانون، من خلال الرشاوى، أو يقومون ببساطة بتوجيه عطاءات مشاريع الدولة لأنفسهم أو لشركائهم أيضًا، وغالبًا ما يصدر الفاسدون الكثير من الأموال المسروقة إلى الدول الأجنبية تحسباً لفقدان السلطة!.

وقطعا الكليبتوقراطية أكثر شيوعًا في البلدان النامية والدول المنهارة التي تفتقد اجهزة الرقابة ويعتمد اقتصادها على تصدير الثروات الطبيعية.

في الدول المنهارة، يُرجح الاعتماد على الاستيراد من الدول الأجنبية، لانه المجال الذى به الرشاوى والعمولات، وحكم الكليبتوقراطية يُسمى أيضا «اقتصاد السرقة» أو«اقتصاد النهب» إذ يعتمد اقتصاد الدولة بأكمله على السرقة والنهب والسلب.
وهناك من يرى أن كليبتوقراطية القرن الحادي والعشرين هي نظام مالي عالمي يقوم على غسل الأموال أساسا، إذ يقدر صندوق النقد الدولي أن( 2-5% من الاقتصاد العالمي هو اقتصاد كليبتوقراطي).

ينخرط الكليبتوقراطيون في غسل الأموال بهدف إخفاء أصول ثرواتهم الفاسدة وحمايتها من التهديدات المحلية كما يحولون أموالهم الفاسدة إلى الخارج كما أسلفنا، ويتم ذلك من خلال شركاتٍ وهمية مجهولة الهوية لإخفاء الأصول وملكية الأموال ويعينون مدراء لها لإخفاء هوية المالك المنتفع النهائي.. كل ذلك يتم فى بعض الدول عبر حسابات تخضع لإجراءات ضعيفة لمكافحة غسل الأموال أو لا تخضع لهذه الإجراءات أصلا.. وقد يلجأ الكليبتوقراطيون إلى وسيلة مشهورة وهى (دمج الأموال) أي بعد شراء الكليبتوقراطي لأحد الأصول، يصبح قادرًا على بيعه مجددًا، ما يوفر أصلًا قانونيًا للأموال يمكن الدفاع عنه.. وقد صارت ظاهرة شراء العقارات الفاخرة وسيلة مفضوحة وواضحة فى تركيا وتونس والمغرب وغيرها.