Atwasat

ما لا يقال.. بيريسترويكا ليبية

عبدالواحد حركات الإثنين 03 مايو 2021, 11:38 صباحا
عبدالواحد حركات

ما دامت الضربة الأولى لم تعلمنا، فإننا نستحق الثانية..!

من الصعب المغادرة بهدوء، ومن الصعب الوصول بالوقت المحدد، ومن الصعب التزام الصمت حيال التغيير، ومن الصعب الصراخ في وجه الحياة، ومن الصعب جدا تصديق كل شيء، لكن الأصعب عدم الذهاب للمستقبل بشكل أنيق..!

لم يمت الاتحاد السوفييتي بشكل مفاجئ، فقد بدأ نيكيتا خروتشوف مسيرة الانهيار، وتفاقمت المشكلات الداخلية وفقدت السلطة قدرتها على إدارة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكانت بداية البيريسترويكا سنة 1985 ضعيفة للغاية، وتخلفت الخطوات العملية كثيرا عن متطلبات مجتمع وحياة السوفييت، وتأخر تحديث الإدارة ففشلت المزامنة بين الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتحتم الانهيار، فهوى نجم السوفييت..!

مات الاتحاد السوفييتي ومات بوريس يلتسن وستموت الملكة إليزابيت الثانية قريبا..!

آليات وميكانيزمات موت الدول تبدو متقاربة، فتعطيل بيريسترويكا السوفييت لخمس سنوات قضى على اتحادهم، وتعطيل بيريسترويكا الليبيين لخمس سنوات قضى على جدواها أيضا، فقد كانت بليبيا نسخة بيريسترويكا محلية مشوهة بدأت ببطء وتردد العام 2005، حينما اتخذت نفس تغييرات السوفييت ونفس أخطائهم، ورسمت على عجل خريطة لتغيير المؤسسات السياسية الأميبية، وتراجع نفوذ اللجان الثورية على الإدارات لصالح مؤسسة القذافي وشركة الغد ومنظمة الشباب، وسحب البساط من تحت المؤتمرات الشعبية ومد للقيادات الشعبية، وحدث الخلل في الصلاحيات وآليات إصدار القرارات، وكانت العودة إلى القبلية عبر بوابة القيادات الشعبية مرتبكة وفاشلة بامتياز بعد عقود كان تفتيت القبائل واستبدال القيادات الاجتماعية بقيادات ثورجية الشغل الشاغل للجان الثورية، وظهر الإصلاح الاقتصادي في عمليات خصخصة المصانع والسماح بإنشاء مؤسسات تعليمية وعيادات خاصة، وارتكبت ذات أخطاء السوفييت فحدث النكوص والتردد والتراجع، وفشلت مزامنة الإصلاحات وفشلت بسببها البيريسترويكا الليبية..!

ليبيا مهدأة، لكن.. هل سيستمر هدؤها فعلاً..؟!

هنالك إدراك متزايد بأن الأمور لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه لوقت أطول، والتهدئة ليست مجدية ولن تبقى إذا لم تجد فكرا وقوى ناعمة داعمة لها، وآتت أكلها سريعا، وأتيحت خلالها فرصة لتحقيق جزء من الآمال المرتقبة، وعملت الحكومة بشكل أفقي مع مؤسسات المجتمع المدني والمؤثرين على الرأي العام، وإدماجهم صراحة في توجيه وتسيير المرحلة باتجاه أهداف معلنة، وكشفت خارطة الطريق التي تسلكها للتقليل من حدة الأزمات ومنع إنتاج أزمات جديدة مركبة، فلا جدوى من استسهال إصدار قرارات مالية بأسلوب إداري بدائي لغاية إسكات الجموع بدل تلبية المتطلبات الأساسية، وإصلاح خلل الإدارة وضعف المؤسسات ورفع مستوى الكفاءة والفعالية، فالتركيز على تدعيم أساسات النظم وإعادة هيكلة المؤسسات لغرض زيادة فعاليتها من الأولويات، والتحول إلى توفير الخدمات وتقليل العوائق بدل سياسة تشريع صرف الأموال لزيادة فرص الفساد الإداري والاختلاس تحت غطاء جرت العادة على استخدامه مراراً ويعرف الجميع ما يجري تحته..!

برغم النبوءات السيئة عن المستقبل.. سنذهب إليه..!

كلنا قلقون بشأن المستقبل الفردي والجمعي، ونؤمن بوعي أو بدونه أن هنالك معركة سلام معقدة يجب خوضها، ويعلم الجميع أن العشائرية والمناطقية والقبلية هي أثواب عنصرية مزركشة لا تستر عورات مجتمع معوز، وأن السلبية وإعادة تدوير الأزمات وإطالة عمرها وحالة الجمود في السلطة التشريعية لا تبشر بخير ولا تبعث الطمأنينة، ويؤمن متعاطو السياسة أنه لا توجد تسويات سياسية كاملة وعادلة وشاملة وواقعية ومصممة لخدمة مصالح الشعب فعلا، وأن مرحلة إعادة اكتشاف القيم الوطنية العميقة للتكامل دقيقة وحاسمة وحتمية، ولا يمكن حل ومواجهة القضايا بعيدة المدى دون وضع استراتيجيات تكاملية حقيقية، فباستمرار الأزمة العميقة في انسيابية وتوافق العمليات التكاملية ستنمو مجددا رؤى متنافرة مدعمة بقوى مدججة بإغراءات الهيمنة على السلطة، وتتشابك المصالح بينها والمصائر بشكل سلبي لتعمل مشتركة على تقويض الأسس الديمقراطية الهشة في المجتمع، وتساعد على تأجيج الفشل المؤسساتي للدولة وتعطي الضوء الأخضر لتآكل السيادة الوطنية وغلبة نعرات ملوثة بأيدولوجيات سامة..!

قضيتنا هي أن نعانق شبيه المثالي ونقع في الخطأ..!

النخب السياسية (مع التحفظ) على دراية بالدراما المستمرة للأزمات المصطنعة، وحقيقة عدم كفاية الرافعات السياسية والأدوات الاقتصادية والدعم الاجتماعي لحكومة دبيبة لا تخفى على أحد، وفوضى المسؤولية واختلاط المهام وغياب التصميم المؤسساتي ذي الفعالية والمرونة، سيحدث عجزا وتناقضا في أداء الحكومة على جميع المستويات وسيعرقل تحركها وإنجازها، فالحكومة لا تزال غير آمنة وكاملة السيادة، ولم تجد فرصة لتتنفس الصعداء وممارسة مهامها دون محاذير وعقبات، وفوق هذا هي مطالبة بدفع ثمن الأخطاء والتأخيرات التي ارتكبتها الحكومات السابقة، ومرغمة على إصلاح استراتيجيات ومنهجيات أصبحت جزءا من واقع السياسة تأصل في ديناميات الفكر والحياة، ومتورطة بإدارة أزمة غير مفهومة محشوة بالتوترات الداخلية والتناقضات الخارجية، أزمة ذات تنوع كبير لها تداعيات اجتماعية واقتصادية تهدد الجميع بشبح نهاية مؤلمة..!

العجز.. يبدو كما لو أنه الخطوة الأولى نحو الكارثة..!

الأدهى.. لا تسمح الاشتراطات والاتفاقات وكذلك الوقت للحكومة بفتح مرحلة سياسية جديدة، ولا يمكنها الفرار من الوضع الصحي والاقتصادي والاجتماعي الخطير الذي يحيطها وتديره، وهي في خضم أزمة سياسية- اقتصادية بدأت تتحول إلى أزمة اجتماعية تزداد حدتها بسرعة مخيفة، ولا تملك دعما برلمانيا قويا يضمن مصداقية عملها لمواجهة التحديات الكبرى التي أمامها، والحكومة تعيش بحالة عدم يقين ويكمن الخطر في ضرورة اتخاذها لقرارات سريعة قد تؤدي إلى نتائج خطيرة وأضرار لا يمكن التنبؤ بها..!

من وجهة نظري، الطرق التي تعمل بها الحكومة على إحداث شيء من التعافي خاطئة، فالإصلاح لا يأتي بقرار مفاجئ ولا يسقط من السماء بل يحدث وفق استراتيجيات وعمليات هيكلة وتنظيم وتصميم وتخطيط وإدارة مستمرة، ووفق منهجيات دقيقة وبأدوات مؤسساتية وموارد بشرية ذات خبرات وكفاءة وفعالية حقيقية..!