Atwasat

في ذكرى رحيل الساخر العظيم.. محمود السعدني

عبد السلام الزغيبي الإثنين 03 مايو 2021, 11:35 صباحا
عبد السلام الزغيبي

من الشخصيات التي تمنيت أن ألتقي بها، الكاتب الساخر محمود السعدني. لكن، عوضا عن ذلك، عرفت كتاباته مبكرا من خلال ما كنت أقرأ له من مقالات في مجلة «روزاليوسف»، أو في مجلة «المصور»؛ حيث كان له باب بعنوان "على باب الله"، وصحيفة "أخبار اليوم"؛ حيث كان يكتب تحت عنوان "أما بعد"، وفيهما كان يتناول قضايا سياسية واجتماعية بأسلوبه الساخر المميز. وكنت محظوظا أني شاهدت فيديوهات تحوي مقابلات معه يروي فيها ذكرياته وقصة حياته، قبل أن يتم حذفها من يوتيوب.

وقرأت له إلى جانب ذلك كتابه "الولد الشقي" بأجزائه المختلفة. الجزء الأول من «الولد الشقي» عن طفولته وصباه في الجيزة. والجزء الثاني عن بداياته في العمل الصحفي. والجزء الثالث «الولد الشقي في السجن» عن بعض شخصيات عرفها، والأخير «الولد الشقي في المنفى». وأنا أرى كما يرى غيري أن مذكرات السعدني "الولد الشقي" تعتبر من أروع ما كتب في أدب السيرة الذاتية في الأدب العربي، وقد كتبها في سلسلة من الكتب (من نهاية الستينات حتى منتصف التسعينات).

ويتحدث في الجزء الأول من سيرته "مذكرات الولد الشقى" عن تجاربه، قائلا: "لقد عشت حياتي بالطول والعرض والعمق كذلك"، ويتحدث عن الكتابة: "لقد كتبت حتى الآن عشرة كتب وثلاث مسرحيات، ومئات البرامج الإذاعية، ومقالات تكفي عشرة دكاكين تبيع فيها اللب وإلى عدة قرون".

كما اطلعت على كتب أخرى له مثل "المضحكون" الذي تناول فيه عددا من ممثلي الكوميديا في مصر، و كتاب "ألحان السماء" عن عدد من قارئي القرآن، «السعلوكي في بلاد الأفريكي!» عن رحلاته في أفريقيا أو«الموكوس في بلاد الفلوس» عن أيام لندن قبل أن يستقر في مصر، أو بعض رحلاته التي سماها «رحلات ابن عطوطة». وعطوطة من العط بالعامية المصرية التي تعني من لا يهدأ في مكان.

شارك السعدني في بدايات حياته الصحفية في عدد من الجرائد والمجلات الصغيرة التي كانت تصدر في شارع محمد علي بالقاهرة. عمل بعدها في مجلة "الكشكول" التي كان يصدرها مأمون الشناوي حتى إغلاقها، ثم عمل بالقطعة ببعض الجرائد مثل جريدة "المصري" لسان حال حزب الوفد، وعمل أيضا في دار الهلال كما أصدر مع رسام الكاريكاتير طوغان مجلة هزلية أغلقت بعد أعداد قليلة.

وعن بداية عمله في الصحافة:
ولقد فصلت ثلاث مرات من ثلاث صحف قبل الثورة، فصلني مرة تاجر حشيش دفع ألف جنيه للجريدة؛ لأني كتبت خبرا ضده، ولهفت الجريدة المبلغ وكتبت في الصفحة الأولى "تقرر فصل محمود أفندي السعدني من هيئة تحرير الجريدة". ويواصل: "وفصلت مرة أخرى من مجلة أسبوعية لأنني طالبت صاحب المجلة بمنحي أجري عن شهر كامل اشتغلته، وفصلت مرة ثالثة من دار كبرى؛ لأني رفضت أن أشتري هدية بعشرة جنيهات لسيادة مدير التحرير. ولم أعرف طعم الاستقرار في الصحافة إلا العام 1954، ففي ظل عبدالناصر أصبح للصحفيين حقوق وعليهم واجبات.

إنه واحد من رواد الكتابة الساخرة في الصحافة المصرية والعربية، وهو حكاء عظيم ويمتاز بخفة ظلة، هو الكاتب محمود السعدني المولود في 20 نوفمبر 1928، والذي يمر اليوم 4 مايو 11 عاما على رحيله في 2010.

شارك السعدني  في الحياة السياسية في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، وروى فى كتابه «الطريق إلى زمش» تجربة سجنه فى عهد عبدالناصر، كما سجن في عهد أنور السادات بعد إدانته بتهمة الاشتراك في محاولة انقلابية، وحسب المعلومات الصحفية، فإن الزعيم الليبي معمر القذافي حاول التوسط لدى السادات، غير أن الرئيس المصري رفض وساطته، قائلا: "لقد أطلق السعدني عليّ وعلى أهل بيتي النكات، ويجب أن يتم تأديبه، لكني لن أفرط في عقابه".

وبعد قرابة العامين أُفرج عن السعدني، لكن صدر قرار جمهوري بفصله من مجلة "صباح الخير" ومنعه من الكتابة بل "ومنع ظهور اسمه في أي جريدة مصرية، حتى في صفحة الوفيات"، وبعد أن ضاقت به السبل، وبسبب معارضته اتفاقية كامب ديفيد، قرر السعدني مغادرة مصر والعمل في الخارج، فتولى في دولة الإمارات العربية إدارة تحرير صحيفة "الفجر" وحاول الاستقرار في ليبيا والعراق لكنه لم يرتح هناك، واستقر أخيرا في بريطانيا؛ حيث أصدر مجلة "23 يوليو" لمعارضة نظام السادات، والدفاع عن الثورة التي قادها الرئيس الأسبق جمال عبدالناصر العام 1952.

وبعد اغتيال السادات عاد إلى مصر العام 1982، واستقبله الرئيس حسني مبارك. وكان السعدني يتمتع بعلاقات جيدة مع عدد من الحكام العرب، مثل معمر القذافي وصدام حسين. اعتزل العمل الصحفي والحياة العامة سنة 2006 بسبب المرض.

يعد الكاتب الساخر محمود السعدنى من أمراء دولة الكتابة الساخرة.. وهب حياته لأجل الكلمة الصادقة وتفرد بأسلوبه الساخر الذي يقدم هموم المواطن بصورة باسمه.

تميزت كتابات هذا الساخر العظيم بالنقد اللاذع والسخرية الشديدة من كل شيء وكل شخص، بأسلوبه المتميز وهو السهل الممتنع. برحيله في قبل إحدى عشرة سنة، فقدت المكتبة العربية كاتبا تمتعت كتاباته بالصراحة والسخرية اللاذعة، وقد عبر أحسن تعبير عن رحيله، الكاتب الساخر أحمد رجب: "فقد شارع الصحافة ابتسامته وبهجته وضحكته العريضة.. رحل محمود السعدنى آخر ظرفاء مصر وأعظم كتابها الساخرين".