Atwasat

(الدولة المسلمة) و (الدولة الإسلامية)

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 02 مايو 2021, 04:34 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

يحاجج البعض، ممن يقفون مع طرح مسودة مشروع الدستور، بحذافيرها، للاستفتاء عليها من قبل الشعب الليبي، بأن المادة السادسة منها، الناصة على أن "الشريعة الإسلامية مصدر التشريع"، لا تشكل أية خطورة على مبادئ الديمقراطية والدولة المدنية، وحقوق الإنسان، أي على دولة المواطنة، ولا تحدث أي أثر؛ لأن المواد اللاحقة، المتعلقة بصيانة حقوق الإنسان، تبطل مفعولها.

وهذا غلط فادح (وهنا أمسك نفسي عن استعمال تعبير "مغالطة"). وفداحته تتفاقم حالة صدوره عن قانونيين مختصين.

ذلك أن الحقيقة على العكس من ذلك تماما. فالمواد اللاحقة التي تنص على كفالة وصيانة حزمة الحقوق الإنسانية المعروفة، هي التي لا فعالية ولا أثر فعليا لها، ووجودها نافل. فهي مجرد تحلية وزينة لإظهار دستور لا إنساني على أنه إنساني.

ذلك أن هذه المادة، بنصها هذا، تجعل من الشريعة الإسلامية مصدر تشريع واحدا وحيدا لا شريك له، وبالتالي يمكن الطعن، مستقبلا، على أساسها، بعدم دستورية وشرعية المواد الضامنة لحقوق الإنسان، بذريعة مخالفتها الشريعة، والمطالبة بحذفها. أي المطالبة بتعديل الدستور. فهذه المادة محصنة ضد التعديل أو الإلغاء، في حين أن المواد الأخرى عزلاء ومكشوفة في مواجهة هذه المادة المدرعة والمدججة.

إن الذين أصروا على تثبيت هذه المادة بنصها هذا وعلى تحصينها، موافقين على المواد الحقوقية اللاحقة، كانوا يعون ما يفعلون، ويعرفون أنهم يوفرون بذلك سندا دستوريا وقانونيا لتعديل الدستور مستقبلا بمقتضى هذه المادة. لقد كانوا يفكرون تفكيرا استراتيجيا، عميقا ومتماسكا ومحكما، من أجل تحويل الدولة الليبية مستقبلا من "دولة مسلمة" أو دولة "دينها الإسلام" إلى "دولة إسلامية" على غرار جمهورية إيران الإسلامية، مثلا.

وتعبير "دولة مسلمة" أو "دولة دينها الإسلام" يختلف، جدا، عن تعبير "دولة إسلامية". ففي التعبيرين الأولين نحن نتحدث عن عنصر من عناصر الثقافة والهوية العامة للشعب المعني، وفي التعبير الأخير نحن نتحدث عن سلطة دولة تمارس انطلاقا من نصوص الدين، أي أننا نتحدث عن شكل نظام سياسي للدولة، وليس عن مجرد هوية عامة للشعب.

أي أننا نتحدث عن دولة دينية من المحتم أن تقود إلى ممارسة استبداد ديني يلغي، إلغاء مبرما، أي شكل وأي قدر من الممارسة الديمقراطية، وأي مظهر من مظاهر الدولة المدنية، وأي حق من حقوق الإنسان، وبالمجمل، يلغي دولة المواطنة، ويعود بنا إلى العصور الوسطى، وما قبلها.