Atwasat

إجرام المرأة في ليبيا: بين النسبية والسرية

جازية شعيتير الأحد 18 أبريل 2021, 10:20 صباحا
جازية شعيتير

صدر مؤخرًا عن مركز البحوث والاستشارات - جامعة بنغازي كتاب توثيقي لأعمال مؤتمر الجريمة في المجتمع المعاصر "الأبعاد الاجتماعية والقانونية" 2010، يحتوي على ثلاث دراسات ميدانية تتناول إجرام المرأة في ليبيا؛ توزعت مكانيًّا بين بنغازي، مصراتة، طرابلس، كأنها ترصد إجرام المرأة الساحلية دون المرأة الصحراوية!

• الدراسة البنغازية كانت دراسة حالة على تسع من نزيلات مؤسسة الإصلاح والتأهيل بالكويفية، تبحث عن الأنماط والدوافع لإجرام المرأة؛ وقد استنتج الباحثان من خلالها أن الجرائم الجنسية الأكثر ارتكابًا من النساء! وقد وصلت الدراسة إلى أن أهم عوامل هذا الإجرام هو هجوم العولمة ومظاهرها من وسائل إعلام ووسائل اتصال؛ ما دفع الباحثين إلى التوصية بالحد من استخدام التليفون أيًّا كان نوعه: أرضي، ريفي، محمول! كما تبين لهما انعدام مشاركة المرأة في جريمة زراعة المخدرات؛ وكان تفسير الباحثين لذلك هو طبيعتها الفسيولوجية التي تحول دون ارتكاب هذه الجريمة!

• الدراسة المصراتية كانت تسأل عن تأثير أساليب التنشئة الأسرية الخاطئة من خلال استمارة استبيان وزعت على عشرين نزيلة في مؤسسة الإصلاح والتأهيل بالجزيرة، وهذه بعض النسب العالية للإجابات عن تلك الاستمارة: أن 85% منهن تعرضن للضرب أمام صديقاتهن؛ و80% يؤكدن أنهن لا يتعرضن للقسوة دون سبب، وأنهن يعاقبن كلما ذهبن للتسوق دون إعلام الأسرة، وكلما تأخرن في العودة إلى البيت.

وقد وجدت باحثة تلك الدراسة أن جريمة الزنا أكثر شيوعًا وارتكابًا بين النساء تنافسها على مرتبة الصدارة جريمة تعاطي المخدرات؛ حيث وصلت إلى نسبة 70% من مجمل الجرائم المرتكبة بينما كانت نسبة جرائم الأشخاص 15% وشرب الخمر 10% وحوادث المرور 3%، أما جرائم الاستيلاء على المال العام 2% في حين أن الاتجار بالمخدرات لم يتجاوز 1%.

• أما الدراسة الطرابلسية فقد حاولت الوقوف على عوامل إجرام المرأة من خلال استمارة استبيان وزعت على 100 مبحوثة من نزيلات مؤسسة الإصلاح والتأهيل، ودار حماية المرأة؛ وقد تبين من الدراسة أن أكثر مرتكبات الجرائم في سن الشباب بين 15 و30 سنة ومستواهن التعليمي منخفض و79% منهن عازبات مما دفع الباحث لاستنتاج (... وهو ما يعني أن جرائم المرأة ترتبط بارتفاع نسبة العنوسة)، وأن 90% من المبحوثات انحصرت جرائمهن في الزنا والتعاطي والسرقة، (وتورطها في جرائم الجنس بسبب رغبتها العارمة التي تحتاج إلى إشباعها بأي وسيلة)، وربطت الدراسة إجرام المرأة بضعف الرقابة الأسرية وغياب القدوة الحسنة في محيط الأسرة.

وبعيدًا عن تقييم هذه الدراسات ومدى صحة تمثيلها لواقع إجرام المرأة في ليبيا 2010، يجب التأكيد على أن أي دراسة حول إجرام المرأة في ليبيا لن تكون معبرة عن الواقع ما لم تتناول عدة جرائم ومنها: السياسية؛ فلم تخلُ السجون الليبية في كل الأنظمة من سجينات الرأي وصولًا لذيوع مصطلح "الداعشيات"، كما تدان المرأة في العقد الثاني من الألفية الثالثة بجرائم متنوعة، مثل: جلب المخدرات وتسهيل دخولها للبلاد، الإرهاب، وجرائم المرور بما فيها القتل الخطأ بالمركبة الآلية، النصب، إصدار صك دون رصيد، والهجرة اللا قانونية، والتسول، وغيرها الكثير.

كما أن الملاحظ على كل الدراسات المشار إليها محاولة ربط إجرام المرأة بأحد العوامل الفسيولوجية أو الاجتماعية أو الاقتصادية؛ غير أن علم الإجرام يخبرنا بأن الجريمة، أيًّا كان نوعها، وأيًّا كان مرتكبها، لا يمكن أن تُعزى إلى عامل وحيد، فهي نتاج تضافر عديد العوامل.

وفيما يتعلق بإجرام المرأة في ليبيا؛ فيمكن القول باتسامه بخاصيتين رئيسيتين؛ وهما: السرية والنسبية.

أولاً: السرية
تربت المرأة الليبية، بل والعربية، على الخشية من الفضيحة، وعلى أن "السجن للرجال"، وأن "الرجل ما يعيبه شيء"؛ ولذلك تعلمت منذ نعومة الأظافر كيف تحافظ على سرية كثير من نشاطاتها العادية، فما بالك الجرمية منها، فحين تتجه للجريمة فهي تختار منها ما يتسم بطبيعته بالسرية ولذلك فإن جرائم المرأة تدخل في نطاق الرقم المظلم في الإحصائيات الجنائية فالتعتيم يصاحب باكرًا ارتكابها؛ مثل الفساد بصوره المتعددة وأهمها الرشوة بصنوفها خاصة منها الرشوة الجنسية بدرجاتها.كذلك الإجهاض وقتل الوليد وتسييبه، وتمتد الأفعال السرية إلى السحر والشعوذة، بل إن القتل والإيذاء، وهي جرائم عنيفة علنية في الغالب، تتخير لها المرأة وسائل سرية بإعطاء المواد الضارة أو السامة خاصة للمقربين منها كالزوج؛ حيث يسهل لها ذلك من خلال تقديم الطعام والدواء؛ أضف لذلك ما قدمه العالم السيبراني من مكنة لارتكاب أفعال تعد مجرمة بسرية تامة مثل الخيانة الزوجية بمفهومها الواسع، وغيرها الكثير.

ثانياً: النسبية
بعض أفعال النساء لا أخلاقية ولكنها غير مجرمة، وبعضها إجرامية غير أن التعامل المجتمعي والمؤسسي بشأنها أكثر تسامحًا؛ أمثلة ذلك كثير منها:

1. المواقعة بالرضا كانت قبل سبعينيات القرن الماضي مباحة إلى أن جرمت بوصفها زنا في تشريعات الحدود وعدل قانون العقوبات بشأنها ليجعل المرأة شريكة في الجرم، ومع ذلك كثيرًا ما تعد المرأة مجنيا عليها في جريمة اغتصاب وهو ما لا ينكره الجاني بغية استفادته من النص الشهير 424.

2. الإجهاض في عديد الدول مباح لأسباب كثيرة منها الحفاظ على صحة المرأة الجسدية والنفسية، بل إن هناك من يرى أن حق المرأة أصيل في أن تختار احتفاظها بالجنين من عدمه.

3. متعاطية المخدرات يمكن أن ينظر لها بوصفها مريضة، فهي تسميه عقار السعادة وتستخدمه مضادًا للاكتئاب ما يجعلها أكثر حاجة إلى الإصلاح والعلاج والتأهيل منها للردع والزجر.

4. يجب أن تصنف ضحية عند ارتكابها لإجهاض جنينها أو وأدها وليدها أو تسييبه صيانة للعرض؛ ذلك الرجل، صاحب البذرة، عديم النخوة هو الجاني الحقيقي، كما المجتمع الذي يصمها بالعار يدفعها للتخلص من فلذة كبدها رغما عنها.

5. ينص القانون على عذر يعفي من العقاب بالنسبة إلى المرأة التي تسهل فرار الهارب من العدالة وتتستر عليه إذا كان من ذوي قرباها.

6. الأم الغافلة عن طفلها فيسقط من علٍ فتكسر عظامه أو تضربه فتعطب حواسه بالحول أو الصمم أو التعسر في النطق أو تسهو عنه فيسكب عليه ساخن القدور وتشوهه الحروق ليست متضررة بل جانية في جريمة خطيئة قوامها الإهمال الجسيم، وهو ما يتغاضى عنه المجتمع والقائمون على القانون في كثير من الأحايين.

7. إساءة معاملة أحد أفراد الأسرة وغالب جرائم الأسرة تخضع لتصور مسبق من المشرع ومن القائمين على تطبيق القانون بأن جانيها هو الولي، زوجًا كان أم أبًا، وأن المرأة داخل نطاق الأسرة هي الضحية؛ بينما الواقع يخبرنا بغير ذلك أحيانًا..

8. تحرش المرأة بالرجل وكل ما يندرج تحت باب "هيت لك"، لا يقابل اجتماعيا بما يجعله إجراما ظاهرا يمكن رصده وقياسه، فقليلة هي حالات شكوى الرجال من هذه الممارسات النسوية.
لفتت هذه الدراسات الميدانية الانتباه إلى فكرة المساهمة الجندرية في الجريمة. فالرجل مساهم ضروري مع المرأة في أغلب الجرائم اللا أخلاقية، وكثيرًا ما يكون مساهمًا ثانويًّا في بقية الجرائم ما يحيلنا إلى التساؤل عن جدوى دراسة خاصة بإجرام المرأة بعيدة عن إجرام الرجل، كما أن أي مقاربة للإجرام النسوي يجب أن تبين تطوره الزماني، واختلافه المكاني، وأن ترصد تأثره بالظروف المحيطة كافة.