Atwasat

هي هنا، لكن أمرها هناك!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 13 أبريل 2021, 01:59 مساء
أحمد الفيتوري

كأنما تم اكتشافها بغتة، مثلما اكتشاف القارة الجديدة، التي التبس أمرها في البدء، حيث ظن كولومبس أنه وصل الهند بواسطة طريق جديد، وأهلها أخير أجمعوا على الاستسلام للأمر الواقع، فإذا بهم جمعا: هنا لكن أمرهم هناك. تذكر الأيام، أن سكان القارة الجديدة، ظنوا القادمين البيض ألهة فسجدوا وخنعوا.
هكذا جند أردوغان، وفاغنر بوتن، صاروا كما آلهة أمريكا!

هذا الشطح أصاب الليبيين بشطح آخر، هو كما القفز في الهواء، حيث باتوا بين لحظة وأخرى، الديمقراطيين الغارقين في تفاصيل: ما هم فاعلون غدا؟، ما يذكر بقصة جحا، من ملك البيض فإذا به يغط في أحلامه، جعل من البيض دجاجا، ما ولد بيضا، هكذا دواليك جحا يبيع البيض فالدجاج، ما كان يستجد في أوهامه، حتى آفاق بغتة من أضغاث أحلامه، وقد تكسر بيضه.

الغريب أن العالم، خاصة الغربي منه، يحج زرافات ووحدانا إلى طرابلس، ما كانت عندهم قبله بقليل: نبع الإرهاب والهجرة غير الشرعية. فليبيا التي لم يعرفوا قبل، تحولت عندهم إلى وادي جهنم، منتج الويل والثبور. ليبيا هذه أصبحت المحج فجاءة، صارت المأمول، فقد تكون بمثابة أطلس، القارة المفقودة في الأسطورة الإغريقية.

ثمة أسطورة إغريقية أخرى، تتحدث عن حجر الأساس المنسي، هكذا بدأت ليبيا لزمن طويل نسيا منسيا، ثم إذا بها وطن لشعب تشتت فيها وبها، وإذا بها للآخرين الكنز المفقود. وكل من أبنائها، ومن غيرها، يتداعكون على إنقاذها من ذا الضياع. فالكل الآن بطل "فيلم السلام"، وكل يدعي أنه الطفل: من أشار إلى عري الملك. لهذا أنت من هذا، لا تعرف كولومبس ليبيا هذه، أهو أصيل العروبة اللبناني، أم الأمريكية من أمسكت بالثعلب من ذيله؟.

ليبيا الآن بوابة المستقبل وكنز أحلامه، هكذا على عجل، يتبادل الجميع مقولة كهذه. حتى أن ذا المستقبل ولد باستعجال ظاهر، فليبيا التي أشاهد في التو، غدت دون ماض قريب ولا ماض بعيد، عانت فيه الإهمال وازدهار الخراب.

أقول قولي هذا وأستغفر المستقبل، ما لا يجيء بغتة ولا على عجل، ولا أن ما سبقه يمكن طيه ونسيانه. الموكد أن ما أنجز طيب ومشتهى، لكنه قبل وبعد نزر ضئيل. لذا يجب ما يجب، وما يجب هو الأكثر، حتى نطوي الصفحة الناصعة السواد. والطي مهمة طويلة وعسيرة، لا تقوم بها النوايا الطيبة لـ "هنا"، ولا الآمال العظام التي يراهن عليها الـ "هناك"، من ساهم في بلاء ليبيا بالحصة الرئيسة. مقاعد أصحاب السلام، مقاعد فاضلة، لكن ليس بالأماني وحدها تعيش ليبيا، فـ "فاغنر" مثلما الـ "مرتزقة"، علامة صارخة من صعوبات ما يجب. نعم تفاؤل الإرادة، ما أراهن عليه كثيرا، يمهد ويعبد الطريق وأنه الطريقة، ولكن...

آه من ولكن، تلكم التي كالصاعقة، ما تحملها الغيوم الملبدة بها أجواء ليبيا بعد، مما أسميتها: حروب السلام، ما هي أسوأ آثار الحرب. هذه الحروب التي إن لم تستطع قلب الطاولة، تُضِع الإبرة بإطالة الخيط. تبدد الوقت والجهد والمال، فالمال العجل الذهبي، ما يعبد ساسة ليبيا، وعلى رأسهم صاحب بيت المال، وخصمه صاحب بيت الزرع/النفط. من هذا على الليبيين العض على النواجذ، وأن يكفروا بالإله المعبود: العجل الذهبي، ما كرس عصر النهابة بعد عصر الجماهير!، فليس بـ "العجل" وحده يبنى صرح الحقل.

الملاحظ أنه، كما في عصر الجماهير، في عصر النهابة، يراد توزيع فتات الطاولة، على المساكين الليبيين!، من بشرهم "الفاتح العظيم" من نصف قرن ويزيد بإخراجهم من حال (الدوادة): "كان القذافي عقب انقلابه، يتاجربهجو النظام الملكي، بأنه ترك جنوب ليبيا مغبونا، يأكل دود البحيرات الصحراوية القليلة، فيما الملك وحاشيته نهبوا من تحت أرجل الجنوب، بحر الذهب الأسود".

وبعد أو وقبل أو هما معا، يتداعك عند بوابة قلعة العاصمة، من يريدون المساهمة في إعمار البلاد، التي من ساعة كانت على شفة حفرة من الإفلاس، وفي ساعة أخرى امتلأت هذه الحفرة بالكنوز: فنفطها زاد حتى أن احتياطه تجاوز القرن، أما غازها فكميته ستضيء حتى الكواكب المظلمة، أضف ما استجد من ذهب أصفر، يزيد الأسود نصاعة، مضافا إليه النار العظمي "اليورانيوم"، دفء السلم ومنهي الحرب!.

لكن في العجلة الندامة كما في التريث غير المطلوب.
لكن في كل الأحوال لا تبتسم لأنك ليبي ولا تبتئس.
لكن عليك أن تشمر عن الساعد، تستيقظ من حلم جحا، من ضيع اللبن في الصيف.
لكن أخيرا: إن المليون خطوة تبدأ بخطوة،
لكن خطوة بمليون خطوة، خاصة حين تكون البداية، وأي بداية،
بعد تقريبا سكتت المدافع،
لكن تكلمت حروب السلام.