Atwasat

كورونا وظلم نساء

رافد علي الخميس 08 أبريل 2021, 01:22 مساء
رافد علي

رغم حلول فصل الربيع واعتدال درجات الحرارة في النصف الشمالي من كوكبنا، يعلن (كوفيد 19) موجته الثالثة في بعض دول العالم مع تطور جيني في سلالته، كما هو الحال، فيما أعلنه في فرنسا وبلجيكا، إلى جانب جينات أخرى صارت معروفة بالإنجليزي والجنوب أفريقي والبرازيلي. جراء هذا القلق سارعت بعض الدول، منها فرنسا، إلى توسيع وتشديد حالة الحجر المنزلي مصحوبة بقرارات منع التنقل لمسافة لا تزيد على عشرة كيلومترات، وإقفال بعض المحال التجارية، والتعجيل بإجازة فصل الربيع للمؤسسات التعليمية بأنواعها، خصوصاً بعدما بات أن السلالة الجنوب أفريقية للكوفيد 19 قابلة للانتشار بين الأطفال خلافا لبدايات الجائحة.

المنظمات الحقوقية، عالمية وإقليمية، على حد سواء، تفاعلت مع الموجة الحالية بإصدار تقاريرها، محذرة من بعض الظواهر التي تعززت أثناء حالتي الحجر الأولى والثانية، والتي منها تصاعد حالة العنف المنزلي ضد النساء، وحق استمرار التعليم للأطفال في الأحياء الفقيرة التي لا يملكون نوافذ على الشبكة العنكبوتية، للتواصل مع دروس مقرراتهم التعليمية لهذا العام الدراسي، الذي يعاني حالة من عدم الاستقرارية.

منظمة الهيومن رايت واتش في تقريرها الصادر نهاية الشهر الماضي، سلطت الأضواء على القلق حول النساء، في ضوء تصاعد تطورات الجائحة موضحة أن أعباء النساء في تقديم الرعاية الصحية والنفسية تزداد بمعدل 2.5 مرة عما يقوم به الرجال، وهذه أعباء تأتي على حساب وضعها في وظيفتها المهنية وتركيزها الذهني، مما يؤثر سلباً على نوعية أدائها الإنتاجي كعنصر في سوق العمل، مما يسهم في تأزم وضعها بسوق العمل، إذ تشير ذات المنظمة إلى أن 1.4 بليون طفل قد أقفلت مدارسهم أو مراكز حضانتهم، وهذا يضع أعباء إضافية في الرعاية والاهتمام للأم العاملة، التي قد يكون لزاماً عليها القيام بوظيفتها عبر المنزل إلى جانب تعليم أولادها، ومراقبة تحصيلهم العلمي في أسلوب تعليمي جديد، عانى من صعوبات حقيقية، كما ظهر فترة الجولة الأولى لكورونا حسب ما تشير بعض التقارير الصادرة في أوروبا. كما قد يقع، بالإضافة إلى ذلك، أن تقوم المرأة برعاية أشخاص مسنين ضمن نطاق أسرتها كونهم الطرف الأضعف في الجائحة الحالية. هياثربار، كاتبة التقرير للمنظمة المذكورة، تشير إلى أن 47 مليون امرأة وفتاة ستكون مهددة بالفقر في كل من وسط وجنوب آسيا والدول المتاخمة للصحراء في أفريقيا باعتبارهن إناثاً في وظائف غير رسمية، مما سيعزز حالة الفقر في القارة التي تعاني من حزمات متنوعة من المشاكل المعقدة.

قلق العالم مع كوفيد 19 يظل حالة بارزة على الصعيد النفسي بعيداً عن مجالات السياسة وتخبطاتها في الجائحة، كما توضح وسائل الإعلام اليوم. هيئة الأمم المتحدة لشئون المرأة أصدرت بياناً مشتركاً مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومختبر أبحاث المساواة بين الجنسين بجامعة بتسبرغ، يشير إلى أن 70 ٪ من العاملين في مجال الرعاية الصحية على مستوى العالم من النساء، وهن الأكثر تضرراً من الفيروس، ويندد المعدون للبيان بـ"الأسلوب الممنهج" لاستبعاد النساء من عمليات صنع القرارات الهادفة لمكافحة فيروس (كوفيد 19) بفرق العمل التي تديرها الحكومات في العالم. ودعا أخيم شتاينر حكومات العالم إلى العمل على توسيع مشاركة المرأة بالمؤسسات العامة لما لمشاركتها من أهمية وشفافية، وبما سيكفل ضمان تلبية احتياجاتهن بشكل مناسب، كون النساء يعتبرن من ضمن الحلقة الأضعف وفق الإحصاءات الدولية الصادرة منذ بداية الجائحة.

يقول التقرير الأخير للاتحاد الدولي للاتصالات "ITU": "في أوقات الأزمات هذه، يكون النفاذ إلى المعلومات الدقيقة منقذاً لأرواح النساء، ومغيراً لحيواتهن وأسرهن ومجتمعاتهن، ويمكن لوجهات نظرهن وخبراتهن، ففضلاً عن قدراتهن على التنظيم وحشد الدعم.

يحسن إدارة مخاطر الكوارث إلى حد كبير، داعياً إلى ضرورة تمكين العنصر النسائي من لعب دوره في وضع الاستراتيجيات الوطنية لإدارة الأزمات وفي المشاورات الاستراتيجية بشأنها، مما سيسهم في تجاوز الهشاشة الاجتماعية التي تقاس دولياً على مبدأ المساواة بين الجنسين ومدى تأصل نهج التمكين. ويقول التقرير إن مجموعة الاتصالات في حالات الطوارئ ETC قد أنشأت خطوطاً ساخنة خاصة بجائحة فيروس كورونا في كل من ليبيا وأفريقيا الوسطى، مشيراً إلى أنه منذ اندلاع الأزمة الليبية عام 2011 صار هناك 307.000 امرأة بحاجة إلى المساعدات والحماية والدعم.

"بالنسبة للعديد من النساء والفتيات إن أكثر مكان يلوح فيه خطر العنف هو الذي من المفترض أن يكون واحة الأمان لهن، إنه المنزل"، كانت هذه كلمات غوتيرس الأمين العام للامم المتحدة أبريل العام الماضي، وهو يلفت أنظار العالم لمدى الطفرة الشديدة في معدلات العنف المنزلي مع بدايات الحجر المنزلي كتدبير وقائي أولي ضد الفيروس الغامض في بدايات انتشاره. يمثل العنف الأسري أشد أنواع العنف كونه يأتي من شريك داخل العش الأُسري. مؤسسة فريدريش إيبرت تخوفت في توصيات تقريرها الأخير من ضرورة التصدي لظاهرة العنف المنزلي المتفاقمة جراء كورونا في تونس ولبنان ومصر. فتقريرها "كورونا وتداعياته الاجتماعية على النساء" أشار إلى أن مركز بصيرة بالقاهرة، قد استطلع آراء 1518 أنثى، اشتكين جميعاً من حالة العنف الأسري بنوعيه المادي والمعنوي، ومن زيادة الأعباء المنزلية وتواصل وتيرة القلق النفسي جراء زيادة الضغوطات الحياتية في زمن كورونا. في تونس، يقول التقرير إن المنظومة القانونية بالبلاد لمقاومة العنف ضد المرأة وتجريمه قد أصابها الإرباك الشديد؛ بسبب الجائحة، ففقدت الأجهزة المعنية الكثير من حيويتها، خصوصاً اللجان المختصة بالانتقال لعين المكان بقصد المعاينة والتقصي، واتخاذ إجراءاتها اللازمة حسب ما ينص قانون 2017 للعنف ضد المرأة.

وفي لبنان، دلت الدراسات على ارتفاع معدل العنف المنزلي، فالخلافات الزوجية تتزايد مع مطالبة المرأة بتوزيع أكثر عدالة للأدوار والأعمال داخل المنزل، والتي يقابلها الرجال الرافضون بالغضب والعنف، جراء زيادة ضغط الحياة وارتفاع الأسعار وضياع فرص العمل لبعض الأزواج أو لكليهما في البيت الواحد.

تخوفات وقلق العالم المنشورة علي ميديا اليوم من أن تعود مشاكلنا للبروز في شكل طفرات لافتة، تخوفات تبقى جد حقيقية، وكأن كورونا خلال الحجر المنزلي الكامل أو الجزئي في فصل الربيع الحالي قد جاءت لتضع الإنسان على المحك مع ذاته. فالمرأة العربية لازالت تحشر ذاتها في خانة المدافع عن نفسها، إذ يرتفع صوتها بشكل متواضع، كما أن كورونا تثبت أن الميزات الاجتماعية الزائفة في الحياة الزوجية المضطربة عموماً لم تعد مسكناً ناجعاً، فقد كشفت (كوفيد 19) عن الكثير من الأغطية ونزعت الساترعن خفايا الكثير من الهشاشة الاجتماعية والاضطراب المجتمعي والأسري الذي لم نتكاشف معه قبلاً بشكل حقيقي.