Atwasat

أفروديت

محمد عقيلة العمامي الإثنين 05 أبريل 2021, 11:24 صباحا
محمد عقيلة العمامي

أغلب المهووسين بمعارض الكتب، يشترون كتبا كثيرة، وغالبا ما يشحنونها بكراتين إلى محال إقامتهم، وكثير منها يظل مركونا أحيانا لسنوات! لعل هذا الكتاب من تلك التي انتقيتها من معرض القاهرة سنة 2001، ففي تلك الفترة اهتممت بالرواية، حينها كانت، ومازالت، الروائية (ايزابيل الليندي) من أبرز الروائيين.

ولكن ما إن تصحفت (أفروديت) حتى اكتشفت أنها ليست رواية فتركتها مع كتب أخرى، كنت أقول لنفسي كلما مررت على عناوينها، أنه سوف يأتي وقت قراءتها بعدما أتقاعد! والعمر صرت أراه، في ليالي تأملي من الشقة 63، كشهاب منطلق عند حافة السماء القصية، ولكنني ما زلت أرفض الاعتراف بأن وقت التقاعد حان، بل ومنذ سنوات مضت. وأخذتني الكتابة المهنية، التي هي في مجملها إما توثيقية، أو خبرية أو ترجمة لما يدور في العالم، خصوصا لما يتعلق بالشأن الليبي.

وأترحم بين حين وآخر على رفاق رحلوا عنا وكنا قد تقاسمنا نسائم وليل بنغازي معا، أطفالا وصبية وشبابا ورجالا، وأتوقف عند هذا الحد من التفكير في المرحلة التي تعقب النضج!، وسرعان ما أتذكر رفاقا استنشقوا قبلي هواء بنغازي، وملأوا الدنيا مبكرا نشاطا وتنظيرا ثم معارضة! وأراهم الآن، يبتكرون، كل حين، مشروعا يحتاج إلى جهد كتيبة كاملة، لوضعة على الطريق الصحيح. فأفرد ظهري، مؤكدا لنفسي أنني أصغر منهم سنا، وأنه ما زال في القنديل زيت، وأتطلع إلى فرصة عمل يصطف أمام بابها آلاف الشباب، وأتجاهل أنني اتجهت متأخرا إلى مهنة المتاعب والتشرد، بل في الواقع لم ألتحق بهذه المهنة إلاّ بعد أن تقاعدت بالفعل من الحياة العملية، وأنا أعني تلك التي توفر مالا أكثر. ويخطر ببالي أحد صحفيي الوسط، الذي احتد مع أحد الزملاء في نقاش، وكنت من خلال ابتساماتي الموجهة للزميل الآخر، الذي حاصره بقوة حجته، فقال له حانقا، بصيغة الجمع: "أن عمركم الافتراضي انتهى منذ سنوات، وما زلتم متمسكين بأماكن الشباب" فقلت لصديقي: "رد عليه.. لقد أفحمك"!.

هكذا ظللت، على الدوام، أرى مثل هذه الأمور أنها لا تعنيني، ولا علاقة لي بها. ومثلما قلت مرارا أن رغبة الكتابة ظلت كجمر تحت الرماد، أو كدمل يتلذذ المرء به ما إن يداعبه بإصبعه؛ كانت رغبتي في ممارستها قوية، ولكنني أبعدتها تماما من اهتماماتي حتى أنفذ بجلدي وعائلتي من دائرة الفقر، وأحمد الله أنني انتبهت مبكرا؛ عندما بحثت، وتساءلت: "أين هو الكاتب الثرى؟". ولكن لم يخطر ببالي أنني سوف أنفق، خلال تقاعدي، من مرتب مهنة المتاعب هذه!

ولعلني أستطيع أن أقول، أنني أمتهن كتابة مهنية، أتعيش منها، وأكتب، في الوقت نفسه، إبداع كاتب متقاعد. ولأن الكتابة الإبداعية تحتاج إلى قراءة متصلة، وأن أسعار الكتب حاليا، وصلت حد الترف، فعدت إلى كتبي القديمة التي لم أقرأها، على الأقل لأقنع نفسي أنني متابع يعرف كيف يلتقط أفكاره من بين السطور.
(أفروديت) كتاب ممتع جدا، ويكفى أنه يتناول موضوعين شغلا البشرية، وتسببا في حروب، وأيضا أفراح، وهما الحب والطعام. شهوتان إنسانيتان هما الاستمتاع بحافزي الحياة وهما الغذاء والجنس. ولقد ربطت الروائية بينهما بمهارة من دون ابتذال أو إسفاف مبرزة كيف يكون الغذاء وطقوسه ونكهاته الوسيلة نحو اللقاءات الإنسانية الحميمية بين المحبين والعشاق، مبينة العديد من الطرائف التي انتقتها من العالم كله، لتقدمها من خلال طرفة ربطتها ببراعة ما بين وصفات غذائية ، منها ما هو منطقي، ومنها ما هو خيالي، غرائبي. منها ما هو مقنع ومنها ما هو خرافي. مستخدمة مصطلح "الأيروسية" المستمد من "إيروس" إله الحب والرغبة والجنس في الميثولوجيا اليونانية. "جماليّة الآيروسيّة " أنها تتناولِ الجسد بجمالِهِ وقدسيّتِهِ، من خلال الأحاسيسِ العميقةِ الرّزينة، مستلهمة أبعادَها مِن جزيئيّات قوالبِ الحياة، فتفتحُ مداركَ واسعةَ الرّؤى، بعيدًا عن الاستهتارِ والابتذال.

الكتاب يتحدث عن وجبات، ووصفات العلاقات الحميمية، بأسلوب طاه ماهر وبنكهات محببة ومعروفة، والواقع أنني طهوت بعضا منها، لأنني بالدرجة الأولى، أرى أن الطهي فن، كالرسم والشعر والموسيقى، جميعها تمزج أدواتها ألوانا كانت، أم كلمات، أم جملا موسيقية، وتصنع منها فنا، ولقد قلت ذلك في أحد كتب الطهى التي كتبتها ونشرتها، بل من اهتمامي بالأكل افتتحت له مطاعم! كل ذلك يؤكد أنني اهتممت بكتاب اليزابيث الليندي (أفروديت) من أجل فن الطهى فقط! وأنا أنصحكم به سواء أنكم لم تتقاعدوا بعد، أو تقاعدتم، أو أنكم لا تعرفون معنى هذه الكلمة بتاتا مثلي! عليكم بكتاب (أفروديت) وسوف تعرفون كيف يكون الطهي المتميز.