Atwasat

حربٌ بأنوار مُطفأة

جمعة بوكليب الخميس 01 أبريل 2021, 12:43 مساء
جمعة بوكليب

الحروب أنواع. منها الباردة ومنها الساخنة. والأخيرة منها عرفناها في ليبيا، خلال السنوات العشر الماضية، وعانينا ويلاتها. لكن هل سمعتم من قبل عن حرب بأنوار مطفأة؟

أنا شخصياً لم أسمع بها من قبل. وصادف أنني ذلك اليوم كنت مستغرقا في قراءة تقرير في صحيفة "ذا نيويورك تايمز"، حين فجأة ظهر أمامي المصطلح فاستوقفني. وتبيّن أن المقصود به حربا باردة. ومصدره تصريح ورد على لسان محلل عسكري إيراني، في مقابلة أجرتها معه الصحيفة، في نهاية عطلة الأسبوع الماضي. المحلل الإيراني كان يصف الحرب الدائرة في الظل، بحرياً، منذ فترة وعلى "سُكات،" بين دولتين: واحدة أخطبوط بأذرع عديدة، تمتد في اتجاهات عديدة، وفي طريقها لامتلاك سلاح نووي: ايران. وأخرى دولة نووية واحتلال عنصري: اسرائيل.

المعارك تجري في مياه البحر المتوسط، وبحر العرب وخليج هرمز. وازدادت مؤخراً بشكل ملحوظ. وفي توضيحه لما يحدث بين البلدين من اعتداءات، قال المحلل العسكري الإيراني إن اعتداءات البلدين على سفن بعضهما التجارية تتم على أساس مبدأ "ضربة بضربة – tit for tat ، وإن ضربتني هنا، سأضربك هناك." الاعتداءات التي تتم تقابل بالصمت من الدولتين، ومن دون صدوراعتراف بمسؤولية. إيران وإسرائيل ترفضان تحمل المسؤولية عن تلك العمليات ضد السفن التجارية لبلديهما "لأن الاعتراف العلني بالمسؤولية عنها يعّد عملاً حربياً بعواقب عسكرية. واعتداءات ضد سفن تجارية، وعلى هذا المستوى، لا يمكن حدوثها من دون وجود دولة وراءها."

الجدير بالذكر، أن العمليات العسكرية المنفذة من قبل الدولتين ضد سفنهما التجارية، تنفّذ بدقة وحذر شديد. والسبب هو أن الهدف المقصود منها ليس إغراق السفن بل إعاقتها وتعطيلها. العمليات العسكرية ذاتها، يؤكد الخبراء والمحللون، بمثابة رسائل متبادلة بين الجانبين.

ووفقا لنفس التقرير، فإن الهدف الإيراني منها هو استفزاز وإزعاج اسرائيل، وفي ذات الوقت مواصلة تسليح ودعم حلفائها في الشرق الأوسط بغرض إحاطة إسرائيل بوكلاء إيرانيين مسلحين جيداً، ومنح إيران يداً أقوى في أي مفاوضات نووية مستقبلاً. في حين أن هناك غرضين تستهدفهما إسرائيل من الهجمات ضد السفن الإيرانية. الأول يتمثل في منع إيران من إرسال أجهزة إلى لبنان لمساعدة حزب الله على بناء برنامج صواريخ دقيقة، والذي تعتبره إسرائيل تهديداً استراتيجياً. وكانت الطائرات الإسرائيلية قد تمكنت في الماضي، خلال إحدى الغارات، من إحداث أضرار بأجهزة البرنامج في لبنان، مما أدى إلى توقفه وعدم استكماله. وتحاول إيران شحن قطع غيار جديدة لتحلّ بديلاً عن المعطوبة، بغرض استئناف البرنامج. والغرض الثاني منع إيران من الإفلات من العقوبات النفطية المفروضة ضدها من قبل واشنطن عام 2018، بتهريب شحنات النفط، وبيعها سرّياً للحصول على العملة الصعبة نقداً.
الحرب الإيرانية – الإسرائيلية الباردة، الجارية منذ فترة في البحار، أثارت مخاوف كثيرة نظراً لاحتمال تطورها إلى حرب ساخنة، أو بالأحرى إلى حرب بأنوار مضاءة. البداية كما تقول التقارير كانت في عام 2019. في الشهر الماضي قامت قوات كومندوس غسرائيلية بضرب سفية شحن إيرانية، على بعد 50 ميلا من الشواطيء الإسرائيلية، كانت محملة بأجهزة عسكرية وفي طريقها إلى سوريا. ورد الإيرانيون بضرب سفية شحن إسرائيلية بصاروخ، في مضيق هرمز، محملة بسيارات ألمانية في طريقها إلى أسبانيا.

أكثر من عشرين سفينة إيرانية ومثلها إسرائيلية تعرضت للاعتداء. معظم السفن الإيرانية التي تعرضت للاعتداء كانت محملة بشحنات نفط أو أجهزة عسكرية وأسلحة.

تواصل تبادل الضربات، في البحر، من الجانبين لا يعني توقف العمليات العسكرية في البر، أو من الجو. في شهر نوفمبر الماضي، قام عملاء المخابرات الإسرائيلية في إيران بتنفيذ عملية جريئة أدت إلى مقتل شخصية إيرانية مسؤولة مباشرة على برنامج إيران النووي. وردت إيران على ذلك بتفجير قنبلة في شهر يناير، بالقرب من السفارة الإسرائيلية في نيودلهي بالهند. وفي مدينة أديس أبابا قبضت السلطات الأثيوبية في الشهر الماضي، على عدد 15 شخصاً على صلة بإيران واتهمتهم بالتخطيط لاعتداءات على أهداف إسرائيلية وأمريكية وإماراتية. مضافا إلى ذلك الحروب التخريبية المستمرة، التي تقوم بها فرقٌ مدربة من الجانبين ضد بعضهما على المواقع الالكترونية الخاصة بمؤسسات وشركات ودواوين حكومية.

وتشير تقارير إعلامية غربية إلى تزايد القلق بين الخبراء والمحللين العسكريين، وخاصة في دولة الاحتلال الإسرائيلي، ومبعثه أن تكاليف الحرب البحرية ضد إيران تتجاوز ما ستجنيه إسرائيل من فوائد. وهناك مخاوف من عدم قدرة القواب البحرية الإسرائيلية على خوض الحرب في مياه بحرية قريبة من إيران. وهذا بدوره يجعل السفن التجارية الإسرائيلية أكثر عرضة للضربات الإيرانية. ويرى الخبراء كذلك أن المصالح الاستراتيجية الإسرائيلية في منطقة الخليج العربي ستتزايد مستقبلاً، ولن يكون بإمكان القوات البحرية الإسرائيلية تقديم الحماية الضرورية لها.