Atwasat

السلطة الرابعة سلطة المحكومين (رسالة إلى السيد رئيس المجلس الرئاسي/ طرابلس)

أحمد الفيتوري الثلاثاء 30 مارس 2021, 11:15 صباحا
أحمد الفيتوري

السيد محمد المنفي
رئيس المجلس الرئاسي
تحية طيبة وبعد
أنتم خير العارفين: أننا لم نختر أوطاننا، كما لم يختر أحد أمه، وأن هذا مدعاة لأن نعمل العمر جاهدين، كي نستحق هذا الذي لم نختر. وفي هذا الاستحقاق قد ننجح، وفي الأخير قد نجتهد ولا نصيب. لهذا أكتب إليك من منطلق هذا الواعز، وأعذرني إذا وكدت، أنني أكتب وعدم الجدوى يلفني، حيث التجربة والدرس وضحا لي أن الوقت ليس وقت قراءة، وأن المشافهة أنجع وسيلة في وقت كهذا، تتطاير فيه الكلمات، كما صرخة في واد أو كما قيل. وقت يمحو العاجل فيه العاجل، فيه الشاشة الصغيرة كرة الساحر، وفي كثير من الأحول قبعة الساحر. ومن منطلق كهذا فإن خير الكلام ما قلّ ودل، هو أمر صحيح، ولكن الأصح أن الغواية في التبسيط.

لقد تابعت سلوكا، تجاه السلطة الرابعة سلطة المحكومين، منكم كمؤسسة رئاسية، وكرجال جدد يتبؤون المسئولية في المجلس الرئاسي، وحتى من جهة مجلس الوزراء. وفي هذا تتبعون فعل من قبلكم، من المجلس الرئاسي والنواب وغيرهما، فجميعهم عندهم إغلاق الصحف، كما إغلاق دار الكتب الوطنية، ومصادرة الكتب في عصر الإنترنت، من الأمور الإعتيادية، إن لم تكن مطلوبة ومستحبة. وعندهم تعليل ذاك، أن لا حاجة ملحة لسلطة رابعة، تتسلط على سلطات ناشئة، في بلاد ومجتمع لم يهتم حتى بالسلطة الثالثة الأهم: سلطة القضاء. ولعل هذا ما ألح علي لأن أكتب لكم، في هذه اللحظة الاستثنائية في تاريخ ليبيا، ما استغرقت عقدا من الزمان، وما هي امتداد لعقود، من لغة وفعل الاستبداد بالرأي والفعل معا.

قد يقول القائل لما أهتم وأركز على الصحافة دون القضاء؟. والأمر ليس كذلك، فلم أسمع أحدا البتة تجرأ على القضاء، لكن السلطة الرابعة في بلاد كبلادنا هي "الحمار القصير"، ما تحاكم غيابيا، في غياب القضاء وفي حال إن وجد، وفي مخالفة لمبدأ قضائي معيشي: المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

• نقطة على السطر
الرأي الآخر مُصادر من حيث المبدأ، لكن مع العصر الحديث، بدا أن لا رأي دون رأي آخر، ومع نهاية القرن التاسع عشر، تباشير ذاك طالت بلادنا، فكانت جريدة "طرابلس الغرب" 1866م. ومع ريح التغيير في العالم والآستانة حاكمة بلادنا، بدا أنه محال مواجهة التغيير، حتى إنه مع مطلع القرن العشرين، فر الصحفي التونسي"المكي الهاشمي"، من البطش الفرنسي المحتل بلاده، بعد إغلاق صحيفته هناك، جاء طرابلس يسعى، فأصدر جريدة "بو قشة" ما كانت ساخرة شعارها قرد. استمر المبدأ التحرري، حتى مجيء الاحتلال الإيطالي التعسفي، ما أغلق الأفواه، ثم في عهد الإدارة البريطانية، التي هي من بلاد الرأي والرأي الأخر، عادت الصحف للصدور، فنما الرأي الآخر، ما لا شك فيه، ساهم بالقوى الناعمة في استقلال ليبيا.

عند الاستقلال والنظام الملكي المحافظ، حافظ الرأي الآخر على استقلاله في صحف شعارها: "المحافظة على الإستقلال أصعب من نيله". حتى إن الانقلاب العسكري في سبتمبر 1969م، كانت أول مهمة قام بها إغلاق تلك الصحف، وقد كان نبراسه مصادرة الآخر فالرأي الآخر، ومن ثم مصادرة ليبيا ما فقدت وجودها، وليس استقلالها فحسب، حتى إنها غابت، عن نشرات الأحوال الجوية في تلفزة العالم، ما عاد يعرف ليبيا بالقذافي فحسب.
ثورة فبراير 2011م، كانت أول محطة في تاريخ البلاد، للرأي والرأي الآخر، فانبثقت الصحافة كراية للفجر، الفجر المغدور، ما سوف تحملُ عواقبه لـ "الحمار القصير":
الإعلام يا سيادة الرئيس: مثلما ناقل الكفر ليس بكافر...
الصحافة مرآة تعكس ما ترى..
أعرف يا سيادة الرئيس: أنكم تعرفون هذا كما يعرفه الكافة، لهذا اعتبرت ما أكتب، من نافل القول ومكروره، لكن من لزوم ما يلزم.

لقد صرح رئيس وزراء أسبق هو السيد على زيدان: أن ليبيا ليست النمسا!. عليه ليست بحاجة للسلطة الرابعة سلطة المحكومين!. فرددت على تصريحه في حينها، بما أكتب إليك الآن، ما هو من لزوم ما يلزم، حتى ولو ذهب أدراج الرياح، لأن من ليس له خبر ليس متيقنا من أمره، ومن هذا حتما عند غياب ما هو ضرورة، سيزود بالخبر من لم تزود، أو كما قال شاعرعربي قديم.

السيد الرئيس
ليس الوقت عندكم بكاف لكم وللبلاد، وهووقت قاس عليكم، فخيره أن تكون الانتخابات في وقتها ديسمبر 2012م، وهذا عمل الجميع وهدفه. لكن ما أشرت إليه: أن الإعلام الحر المسئول زوادة تسهل الطريق، فطريقة لاختزال الوقت. وفي حالكم هذا، حتى إن حاد عن الصواب، فالإعلام الحر شارة المرور، الطريقة لحكم الطريق.