Atwasat

سطور على هامش (واقعة الجمل)

محمد طاهر الإثنين 29 مارس 2021, 10:35 صباحا
محمد طاهر

مرّت حادثة نحر جمل "الحبوني" مع حوادث أخرى مشابهة بسرعة إلى الماضي، كما لو أن البلاد تحاول أن تنفض عنها على عجل كل طارئ يزيد من قسوة الواقع، متجاهلة إياه بنفس الطريقة التي تتعامل بها الذاكرة البشرية مع الكوارث والأحداث المأساوية وحتى المواقف المزعجة.

لا يمكن مواجهة استحقاقات المستقبل من دون استخلاص العبر من مآسي الواقع اليومي. وكل هروب في هذا الاتجاه إلى الأمام يكون في حقيقة الأمر عودة إلى الوراء تكبّل حركة أصحابها بمزيد من الأثقال.

الاعتقاد بأن توقف رحلة عبد العالي الحبوني بنحر الجمل، مجرد حادثة فردية عارضة لا تستقيم مع القيم والتقاليد السائدة، ما هو إلا نهج يحاول مواجهة المصائب من خلال الالتفاف حولها والتقليل من شأنها والقضاء عليها "لغويا".

يتعين أن ننظر إلى المصائب مباشرة، ونتوقف عندها مليا، ونعي أن ليبيا اليوم غيرها بالأمس، وأن الكثير من المياه مر في مجرى النهر، وأن الواقع المعاش يحتاج إلى تشخيص بعقل بارد ومن دون عواطف، إذا أردنا أن نخرج من متاهتنا ومن الدوران في حلقة مفرغة ومن مواصلة السقوط في هوة مفزعة.

لم تأت واقعة "نحر الجمل" خارج سياق الأحداث، وكانت علامة واضحة على تهتك النسيج الاجتماعي وتقطع أوصال البلاد المتواصل منذ سنوات، وانهيار البنية التحتية بصورة كارثية، وتراكم الثارات ومشاعر الكراهية نتيجة الاقتتال والغزوات المتوالية وغياب سلطة الدولة وسلطانها وتشظيه إلى عدد كبير من مراكز القوى والنفوذ شرقا وغربا وجنوبا.

تمكنت ليبيا بفضل دعم وتوافق دوليين من تحقيق خطوة هامة نجحت في إقامة حكومة وحدة وطنية أنهت الانقسام الفوقي وفتحت الباب أمام إعادة توحيد مؤسسات البلاد وتطبيع الأوضاع السياسية مؤقتا حتى أوان الانتخابات العامة في ديسمبر المقبل، إلا أن هذه الخطوة الهامة لن تكتمل إلا بإجراءات جادة وحازمة تعالج الأزمات "على الأرض" وتزيل العقبات، والأهم أن يجري التركيز على "نزع الألغام الخطيرة" التي تراكمت خلال السنوات العشر الماضية والمتمثلة في الأحقاد والثارات والمظالم وما شابه.

يمكن أن يتأتى ذلك من خلال برنامج مصالحة حقيقي "محلي" على شاكلة التجارب الناجحة التي نفذت في جنوب إفريقيا وفي روندا ومناطق أخرى.

مثل هذه الخطوة لا يمكن تأجيلها أو تجاهلها، إذا أردنا أن ندخل والأجيال الجديدة إلى مستقبل يختلف عن مصير دول مرت بظروف مشابهة.

هذه الدول التي نسير بسيناريو طبق الأصل على خطاها، لا تزال منذ سنوات طويلة تدور "باستقرار" في فراغ، وتتآكل من جميع الجوانب ببطء بفعل استشراء العنف والفساد، ومواصلة معالجة المشاكل بالمسكنات، ما حولها من حيث الجوهر إلى كيانات هشة و"أشباه دول" لا تستطيع أن تعود حتى إلى ما كانت عليه قبل "الانفجار"، مثلما هي الأوضاع في الصومال وأفغانستان والعراق.