Atwasat

أحوال الأمصال وتطوراتها

جمعة بوكليب الخميس 25 مارس 2021, 09:29 صباحا
جمعة بوكليب

منذ ظهورها، مرتْ الأمصال الواقية من الوباء الفيروسي بأحوال متعددة. البداية كانت بظهور مصطلح "دبلوماسية الأمصال" في الصين أولًا، ثم تبعتها الهند، وتلتهما روسيا. الدبلوماسية الجديدة تقوم على توطيد النفوذ، سياسيًّا واقتصاديًّا، في العديد من البلدان الفقيرة، مقابل منح الأمصال الواقية من الإصابة بالفيروس الوبائي مجانًا. عقب ذلك، بدأنا نتابع في وسائل الإعلام تقارير عن مصطلح آخر جديد، أطلق عليه اسم "سياحة الأمصال"، وهي سياسة تم تبنّيها في دولة الإمارات العربية. السياسة الجديدة تقوم على منح الأمصال الواقية من الوباء الفيروسي مجانًا، لكل الزائرين القادمين إلى دولة الإمارات، بغرض اجتذاب السواح، وضخ دم الحياة من جديد في القطاع السياحي. وبعدها سمعنا مصطلحًا آخر "الفصل العنصري العالمي للمصل"، والمقصود به استحواذ الدول الغنية على جرعات الأمصال المصنعة، وحرمان الدول الفقيرة منها. ومؤخرًا، ظهرعلينا مصطلح ثالث: "حرب الأمصال"، والمقصود به الحرب التي اشتعلت، أخيرًا، بين بريطانيا من جهة، ورئاسة الاتحاد الأوروبي من جهة ثانية.

الحرب الأخيرة، بين الحليفين والشريكين السابقين، كادت تتسبب في تدهور العلاقات بينهما إلى نقطة اللا عودة. والسبب الصراع على شحنات المصل. وما حدث فعليًّا، هو أن الحكومة البريطانية سارعت منذ البداية على الاستثمار بمبالغ مالية كبيرة مع خمس شركات متخصصة في صناعة الأدوية، بغرض دعمها ماليًّا وتشجيعها على اكتشاف مصل واقٍ من الوباء، وفي نفس الوقت وقعت مع كل واحدة منها عقدًا بشراء كميات كبيرة من المصل، في حالة اكتشافه. المبادرة البريطانية كانت مقامرة، محتملة الربح والخسارة. لكن حسن الحظ كان حليف البريطانيين، وتمكنت عدة شركات من الوصول إلى اختراع لقاح واقٍ. ولأن العقد كما يقول القانونيون شريعة المتعاقدين، بدأت شحنات المصل تصل إلى بريطانيا تباعًا بكميات كبيرة. وقامت الحكومة بحملة تطعيم واسعة وسريعة تمكنت خلالها من تطعيم 40% من مواطنيها البالغين. على الضفة الأوروبية، اتسم تحرك بروكسل بالبطء. وبعد قرابة ثلاثة أشهر من التحرك البريطاني، انتبهت إلى الأمر، وبدأت تلهث لتدارك الموقف. النجاح البريطاني تسبب في خلق موجة غضب بين مواطني وحكومات الاتحاد الأوروبي؛ مما اضطر بعض أعضائه في أوروبا الشرقية للالتجاء أحاديًّا إلى شراء المصل الروسي، في مخالفة صريحة لقوانين الاتحاد. الغضب الحكومي والشعبي خلق حالة من التوتر بين الدول الأعضاء والرئاسة في بروكسل. وهذا بدوره أفضى برئيسة المفوضية الاوروبية إلى القاء اللوم على بريطانيا، والتهديد بمصادرة شحنات المصل المصنعة في أوروبا والمتوجهة إلى بريطانيا، ما لم تقم تلك الشركات باعادة توجيه الشحنات إلى دول الاتحاد الأوروبي. هذا التهديد الأخير، سبقه تهديد آخر في الأسابيع الماضية، حين هددت السيد فون دير لين بوقف تصدير شحنات الأمصال المصنّعة في دول الاتحاد، وتحديدًا، بلجيكا، إلى بريطانيا. وتحول التهديد إلى التنفيذ، لدى قيام رئاسة المفوضية بتفعيل المادة 16 من الاتفاق التجاري الموقع مع بريطانيا، وتنص على منع الصادرات الأوروبية إلى بريطانيا عبر شمال أيرلنده. التنفيذ لم يتم؛ لأن المفوضية تراجعت عن القرار سريعًا، خشية العواقب. لكن الحرب، واقعيًّا، لم تتوقف. ولم يمر على العاصفة الأولى سوى أيام حتى يدأت عاصفة أخرى. العاصفة الجديدة ، ابتدأت بتشكيك الرئيس الفرنسي علنيًّا في جدوى فعالية المصل البريطاني المعروف باسم "استرازينكا" لمن هم فوق سن الخامسة والستين.

كن الموجة الأخيرة من الهجوم الأوروبي على المصل البريطاني، وفقًا لتقارير إعلامية، بدأ ت بخطة مشتركة (ألمانية - فرنسية - إيطالية - إسبانية) لتهميش النجاح المختبري البريطاني، وللتقليل من شأن نجاح الخطة البريطانية في التطعيم. الخطة الأوروبية عمدت إلى تجميد استخدام المصل البريطاني بعد ظهور إصابات في عدد من البلدان، من حالات التجلط الدموي، كأعراض جانبية. نسبة الإصابات الجانبية قليلة جدًا، ولا تؤثر على فعالية المصل. لكن للسياسة أهدافها. الآن، تراجعت دول الاتحاد الأوروبي عن المنع، واستأنفت التطعيم به، بعد تأكيد المجالس الطبية المختصة التابعة للاتحاد الأوروبي بضرورة استخدامه. المناورة الأوروبية هذه أدت إلى توقف في حملة التطعيم في بلدانها، الأمر الذي تسبب في تفاقم الغضب الشعبي. علمًا بأن حملة بروكسل للتطعيم لم تصل إلا إلى 12% من البالغين في دول الاتحاد.

ويعزو المعلق البريطاني "برونو واترفيلد" سبب منع المصل البريطاني إلى جنسية السيدة فان دير لين الالمانية. ويقول إنها كانت في السابق تشغل منصب وزير دفاع في حكومة المستشارة ميركل. وهي أيضًا، من كبار شخصيات الحزب المسيحي الديمقراطي الحاكم، وشديدة القرب من المستشارة ميركل. ويوضح أن الحكومة الألمانية حاليًّا تتعرض لمصاعب عديدة؛ بسبب تأخر رئاسة الاتحاد الأوروبي في عمليات التطعيم، مقارنة بالنجاح البريطاني. وبدا الأمر وكأن ما حدث إذلال للاتحاد بعد خروج بريطانيا منه. مضافًا إلى ذلك، ما تعرض له الحزب المسيحي الديمقراطي في انخفاض شعبيته في استبيانات الرأي العام، خاصة أن الانتخابات المناطقية والنيابية على بعد ستة أشهر. وبذلك، كان على السيدة فان دير لين أن تقوم بالمناورة الأخيرة، بإلقاء اللوم على بريطانيا في انخفاض نسبة التطعيم ضد الوباء.