Atwasat

الكاتب والكُتّاب

محمد عقيلة العمامي الإثنين 22 مارس 2021, 10:36 صباحا
محمد عقيلة العمامي

فوجئت به يحتل المنضدة، التي اعتدت وزوجتي تناول إفطارنا حولها. لابد أن وجهي تغضن، فلقد انقبضت أساريري، فيما انفرجت أساريره، وهو يقول بلغة إنجليزية تؤكد انه ليس إنجليزيا:

- " تفضل.. شاركني المنضدة، أنا أعلم أنها المفضلة لديك، وكذلك لرفيقتك". لم يمنحني فرصة لأشكره، واتجه نحو المنضدة من الجهة الأخرى، أجلسني أمامه قائلا: -"سوف تلتحق بي زوجتي وتجلس بجواري، وتلتحق بك زوجتك وتجلس بجوارك إلاّ إذا كانت لم تعد قادرة على تحمل تكشيرتك الصباحية وتركتك!". واستطرد: "زوجتي هناك تنتظر البيض المخفوق بالحليب الذي تفضله.."، لم يمنحني فرصه لأعقب: "أنت لست مصريا بالتأكيد."

 وكان لابد أن أجد وسيلة لإيقاف سخريته قلت له: - "نعم، وأنت روسي بالتأكيد، وفيما يبدو لي أنك من رجال الحكومة، أو أنك مغامر بطبعك." وأشرت نحو علبة الكافيار الأسود الموجودة أمامه، وقلت له: "أنا أعرف أن خروج هذا الكافيار الثمين من روسيا محظور، إلاّ على الأغنياء ورجال الحكومة وبالطبع المهربين!" أجابني ضاحكا:
-"وأنت مثلما ظننتُ (بصاص)، لأنكم تعرفون دقائق الأمور. لا تقلق أنا مجرد مغامر حملت علبة، واخترت ضابطا أقنعته أنه يشبه الممثل "دنيال كريغ" الذي مثّل أدوار جيمس بوند، ويقال إن أصوله روسية، وأنه لن يخذلني وأخبرته أنني أحمل علبة منه، لأنني لا أستطيع تناول إفطاري من دونه، وسألته بحق القديس (نيقولاوس) حامي روسيا العظيمة أن يدعني أغادر بها، وأكدت له أنني سوف أدعو له في كنيسة "سانت كاترين"، وهي ليست قريبة من شرم الشيخ، ولكنني سأزورها. وفعلا سمح لي بأخذها، أنا فعلا لا أعشق من البيض إلاّ هذا البيض الأسود".

جلست أينما اقترح، فتقابلت عيناي بعينيه الخضراوين الحادتين، فوقهما تتغضن جبهته العريضة المحروثة طولا وعرضا. أسفلها أنف أفطح، وشفتان غليظتان يعلوهما شارب أشقر كثيف، متصل بلحية ملتحمة بشعر الرأس، جسمه الرياضي الطويل يشي بأنه كان رياضيا، قامته وتكوينه لا يقنعان أحد أنه تجاوز السبعين عاما.

وفيما بدأت، متفاخرا، في استعراض معلوماتي عن الأسماك، وأيضا الكافيار، وسمك الحفش الذي ينتجه، وأنه من بحر قزوين، وأن العالم المقتدر يستهلك 90% من هذا الكافيار الأسود، والثمين، الذي يصل حجمه أحيانا حبات البازلاء! ظل ينظر إلى بابتسامة ساخرة، وانتظرني حتى أنهيت معلوماتي، ثم قال: "ولكنك لا تعرف أن إقليم الشرق الأقصى، في شبه جزيرة (كامتشاتكا) لا يستهلكونه وإنما يعلفون به الكلاب، التي تجر عرباتهم فوق الجليد، فهي الوسيلة الرئيسية للنقل والتنقل. وأن اليابانيين سبقونا في إنتاج الكافيار الأحمر." ثم استطرد بسخرية "ضف هذه المعلومات لمخزونك فقد تحتاجها يوما ما لتتباهى أمام من لا يعرف مثل هذه المعلومات." ثم انفجر ضاحكا: "إنك مثل الذي يشرح للروس ما هي (الفودكا)!".

كان خفيف الظل، يسخر من كل شيء بما في ذلك تقاطيع وجهه التي أسماها "سلة خضار" تحوي نصف جزرة رامضة ما بين حبتي طماطم!

صرتُ و "إيغور" أصحابا، طوال تلك الرحلة التي استمرت خمسة أيام وأربع ليال، وتصادف أننا غادرنا في الموعد نفسه. كانت رحلة ممتعة، خصوصا وأن زوجته "ساشا" سيدة لطيفة، هادئة سريعا ما أصبحت صديقة لزوجتي، أبحرنا معا، وأمضينا ليالي معا. حاولت طوال بقائنا معا أن أصحح له نطق حرف الـ (S) الذي ينطقه (Z). كان ينهي جلسته المسائية بقوله: "amami me go to zleep " وليس (Sleep ) في ذلك اللقاء علمت منه أنه يتحدث لغات أخرى غير الإنجليزية ولما عرف أنني كاتب، قال ضاحكا "أقسم لك أنني كنت أنوي تعلم العربية! ولكنني تقاعست عنها. أما الآن فسوف أتعلمها بالتأكيد." واستطرد ساخرا "لأتأكد أنك مثلما أعتقد كاتب فاشل!".

منذ تلك الرحلة أصبحنا نتواصل عبر (الفيس) بين حين وآخر نتبادل التهاني في المناسبات والطرائف، التي تصادف أيا منا. والتقينا مرتين، إحداهما في القاهرة. وبعد حوالي عامين من ذلك اللقاء، وصلتني منه صورة لتهنئة، مكتوبة باللغة العربية، التي أصبح يقرأ بها، ويتصل بين حين وآخر يسأل عن أمر عنها.
منذ أسبوع، رافقت شابا "عزيز" إلى المركز الثقافي الروسي، لأنه يود دراسة اللغة الروسية، وفيما كنت أساعده في كتابة طلب الالتحاق بدورة المبتدئين، برقت في رأسي فكرة المشاركة في الدورة، فنفذتها في الحال. الأسبوع الماضي انتهت أول حصة، تعلمت خلالها الحروف المتحركة. وكانت جملة: "أنا أتعلم اللغة الروسية" وهي من أمثلة الدرس، فكتبتها باللغة الروسية وأرسلتها إلى صديقي الروسي" إيغور: Igor" الذي لم أقل لكم أنه سبعيني، وأن اسم إيغور يعني المحارب، وأنه يرى مثلنا أنه "على الشاب ألاّ يغيب أبدا عن الكتّاب"!