Atwasat

لِمْجَرْ!!

صالح الحاراتي الأربعاء 10 مارس 2021, 01:14 صباحا
صالح الحاراتي

"لمجر".. هو الحفرة التى تنحت فى الأرض بشكل منحدر كطريق تسير فيه الدابة التى تستخدم فى "إخراج الدلو من البئر" فى الطريقة التقليدية للحصول على الماء لرى المزروعات..

كنت صبيا ومع أخي الذى يكبرني ونحن نمتطى دراجة هوائية "بشكليطة" فى طريق عودتنا للبيت قبل المغرب بقليل وكان هذا "لمجر" فى طريقنا وهو بأرض فضاء مهجورة تفصل الحي السكنى الجديد والمدينة القديمة ويبدو أنها كانت مزرعة يوما ما، ولكن البئر الذى بها قد توقف عن العطاء.. أو أن صاحبها قد أخذ قرارا بأن تصبح الأرض وقفا من الأوقاف أو كما كانت تسمى عند الناس بـ "أرض حبس".

كان برنامجنا اليومى معلوما.. والزمن كان يحدد لنا بوضوح خطواتنا.. نعود من المدرسة للغداء ومنه إلى مراجعة عابرة للواجب المدرسي، ثم الاستعداد لأخذ الدراجة والمضي إلى المهمة الملحة وهى تعبئة المياه فى "براميل" كبيرة حتى تكون جاهزة لاستخدامها من قبل "اسطى البناء" الذى يأتى فى اليوم التالي.

كنا امتلكنا قطعة أرض فى مكان خارج نطاق المدينة فى حي جديد ولم تكن هناك أي مرافق باستثناء بيت أو اثنين.. كان أحدهما يساعدنا بتقديم الماء ونحن نقوم بتوصيل الخراطيم إلى "البراميل" وننتظر امتلاءها.. أحيانا يكون ضغط الماء ضعيفا فتتأخر مرحلة عودتنا إلى البيت إلى ما بعد المغرب، وكان ذلك أمرا مزعجا لنا وللعائلة..

مزعج لنا لأن هناك كلابا ضالة فى الأرض المهجورة التى يقع بها "لمجر" وكانت تطاردنا ولكننا تعلمنا كيفية الهروب من أذيتها ..

باستثناء إحد المرات ونحن نتفادى طريق الكلاب التى تطاردنا توقف أخي بالدراجة فجأة، حيث كنا على حافة "لمجر" وعلى وشك أن نسقط فيه. لقد كان الظلام يعم المكان وانتبه أخى فى اللحظة الأخيرة.. ولكن ليس نجاتنا من السقوط فى حفرة "لمجر" هو الأمر الجيد الوحيد؛ الأمر الأهم هو أنه بتوقفنا توقفت الكلاب عن مطاردتنا وهربت.. نظرت إلى أخي وانفجرنا بالضحك.. أياما وأسابيع وشهورا ونحن نتفاداها واليوم وبالصدفة توقفنا فهربت.. عند رجوعنا للبيت أخبرنا أخي الأكبر بما حدث مع الكلاب فابتسم وقال بفعل ذلك الحدث يجب أن تتعلموا (أن مواجهة المشاكل والعقبات أفضل من الهروب منها).

كان بناء ذلك البيت يتم على مراحل، مرحلة تلو أخرى ولكن ليس بالضرورة بشكل متواصل.. كلما توفر شيء من المال يتم توفير المواد والعمالة الفنية ونمضى خطوة فى إنجاز المطلوب، وقد ساهم بعض الأقارب فى عملية البناء وأذكرمنهم قريبا لنا تولى بناء السقف وقد ساعدناه أنا وأخي كعاملين…

استغرق البناء سنوات ورحلة المرور على "لمجر" والكلاب صارت مسألة عادية لم نعد نخاف، تعودنا عليها وإن كنت حتى الآن لا أحب الكلاب .

انتقلنا للسكن فى البيت الجديد ومضت سنين عديدة وانتقلنا للحياة فى مدينة أخرى واستقر بنا المقام..

مرت الأيام وجاء لأخي الأكبر من يطلب الإقامة المؤقتة فى بيتنا السابق الذى بنيناه بكل صعوبة.. وافق أخي ولم يطلب إيجارا من ذلك الشخص الذى استخدم كل وسائل الاستعطاف والترجي والمسكنة، وأظهر لأخي أن "ظروفه صعبة وفى حاجة ماسة للسكن وأنه سيترك البيت بمجرد الانتهاء من بناء بيت له فى منطقته بإحدى ضواحي المدينة.. مضت سنوات ولم يتخل الساكن المؤقت (الغلبان) عن بيتنا رغم مطالبات أخي له.. مضت الأيام والسنين ومات ذلك الرجل ولم تكن إقامته فى بيتنا مؤقتة كما وعد.. وكما أخلف الأب وعوده ورث أولاده من بعده خصاله. وحتى الآن لم تفلح كل محاولاتنا في إقناعهم بالرحيل عن بيتنا.