Atwasat

ليبيا.. المعرفة والمصلحة

نورالدين خليفة النمر الإثنين 08 مارس 2021, 03:03 صباحا
نورالدين خليفة النمر

تناقش عبر أون لاين وقفية كونارد اديناور بحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي الألماني: عشرية الثورة الليبية، حيث الأمل في عملية التحول الديمقراطي حفّت به الإحباطات:انهيار الدولة، والفساد، وانتشار السلاح وتهريبه، وتصارع الميليشيات .

ينبغي أن نتميز في الاهتمام الألماني الذي يقدمه العرص الآنف للمشكل الليبي، المصلحة السياسية. عن"المعرفة" حسب الوظيفة التي آناطها الفيلسوف والعالم الاجتماعي ي. هابرماس؛ والتي في رأيه تفترضها (العلوم الاجتماعية والفلسفة)، فيما وصفه بالمهمة التحريرية التي عمادها العقل النقدي، ويكون هدفها أولاً تحرير الناس، والمعنيون هنا الليبيون، من الاستلاب لكل الضروب غير المعقولة التي خضعوا لها طوال العشر سنوات الماضية، والمُشار إليها بـ انهيار الدولة، وتوغل الفساد في مؤسساتها البائدة والجديدة، وانعكاسه على المجتمع، وانفلات السلاح من سلطة القانون وانتشاره في أيدي قوى حرابية نهّابة، بل إجرامية، أخضعت مؤسسات الدولة الهشة لشروط ابتزازها وأطماعها، بل شكّل تصارع هذه القوات فيما سُميت بالميليشيات، على المقدرات الأقتصادية للمجتمع كغنيمة مستباحة مجالاً للعنف والفوضى.

مما لاشك فيه أن انكفاء الليبين طوعاً للفوضى له جذوره المجتمعية المحليّة الضاربة في عمق التاريخ، والتي استغلها النظام الدكتاتوري الساقط عام 2011، في تغذية النزعات الأوتوقراطية لحاكمه الفوضوي وتمكينه من السيطرة والتحكم في دواليب السلطة والمجتمع الذي أستغلت جاهليته السياسية، وسلبيته المجتمعية، كل المجموعات المنحرفة التي تبوأت مقاعد السلطة الليبية ومؤسساتها في عشرية محنتها الثورية .

الوصفة الأوروبية والألمانية بالذات لإشكاليات السياسة التي تقدّمها كحل مؤسسات النقاش والبحث السياسي كوقفيات الحزبين الألمانيين الكبيرين الاتحاد المسيحي الديمقراطي (كونراد إديناور) والاشتراكي الديمقراطي(فريدرش إيبرت) تتلخص في الممارسة الديمقراطية الشفافة والمنفتحة على اهتمامات ومطالب المواطنين المفترض تمثيلهم من قبل أحزاب سياسية تلبي عبر برامجها مطالبهم وتحدد اختياراتهم السياسية والاجتماعية في خارطة الطريق الليبية، التي انبثقت عن مؤتمر برلين، وتعززت بملتقى حوار جنييف تتوجه بالبلاد نحو الديمقراطية، لانتخابات شفافة يشترك فيها كل الليبيين لرئاسة شرعية جديدة، بدل كل السُلط في العشرية الليبية السابقة التي فقدت شرعيتها. ولكن السؤال المطروح في النقاش الذي سيلتئم في 15.3.2021 هو: كيف تتحقق في ليبيا تطلعات الناس نحو آفاق التطور، وماهي واقعية فُرص الذهاب حسب خارطة الطريق إلى انتخابات ليبية نهاية هذا العام 2021؟

يعرّف هبرماس المصلحة بأنها الرضى الذي يربطنا مع تصوّر وجود موضوع ما أو وجود فعل ما. وهي تهدف إلى الكينونة، لأنها تعبر عن علاقة الموضوع المعني بمقدرتنا على التمني، فالمصلحة تتوجه ثنائياً: إما أنها تشترط مُسبقاً احتياجا ما. أو أنها تنتج احتياجاً ما. في السياسة، والدولية بالذات،غالباً ماتستدعي المعرفة المصلحة، وتوجه ألمانيا لمصلحتها في ليبيا تحدده سياستها كقوة سياسية واقتصادية ناظمة لمصالح الدولتين الأوروبيتين فرنسا وإيطاليا المتنافستين على النفوذ في ليبيا.

لقد غذّى الانقسام إلى قوى سياسية متنافرة، تقلصت بعد 2014 إلى قوتين سياسيتين متصارعتين، أطماعَ التدخل الدولي وتوابعه الأقليمية. فتباعد مصالح الدول الكبرى وضع ليبيا، البلد الجنوبي الجار لأوروبا، إزاء تحديات صعبة. وفي الوقت ذاته تلّح الأسئلة المهمة على كلٍ من فرنسا وإيطاليا، وبرعاية ألمانيا: كيف تستطيع الثلاثية الأوروبية إزاء الجارة الجنوبية أن تتكلم بصوت موّحد، وأن تتعاطى مع أطماع القوى الأخرى في ليبيا؟ روسيا عبر مرتزقة فاغنر، وتركيا التدخل في شرق المتوسط عبر اتفاقية رسم حدود بحرية .

ستظل السياسة الخارجية الألمانية تستخذم الاتحاد الأوروبي مقابلاً تنافسيا للدول المتدخلة في المجال المتوسطي عبر ليبيا كروسيا وتركيا. كما تستطيع سياسات الاتحاد الأوروبي، عبر تقديم الدعم وغيره من سياسات إعادة التموضع، الحدّ من بعض الآثار الضارة للمنافسة الإقليمية بين الدول الأعضاء فيه، وفيما يتعلق بليبيا التنافس بين فرنسا وإيطاليا الذي جرَّ تدخلاً روسيا عبر المرتزقة، وتدخلَ دولة عسكرياً باسم تركيا.

وفي الصدد الليبي والمتوسطي المتعلّق بصدّ الهجرة الأفريقية إلى أوروبا، سنُقر من منظور عام بأن سياسة الاتحاد الأوروبي التي تقودها ألمانيا ليست سوى امتداد لاتحوّلا، لسياسة المصلحة الذاتية القومية وأن المنافسة القومية بين الدول الأوروبية والاستعمارية السابقة ستلازمها مشكلات تحدث مجدداً على المستوى العابر لتكتل الاتحاد الأوروبي. ونظرًا لفشل المبادرات السياسية التي طرحتها ألمانيا لحل الأزمة، نادت بعض الأصوات الداخلية في ألمانيا - والأوروبية عمومًا- بضرورة التفكير في التدخل العسكري في ليبيا حفاظًا على الأمن القومي. ففي 29 يونيو 2020، أكد "فولفغانغ إشينغر"، رئيس مؤتمر ميونخ الدولي للأمن، أنه "يتعيّن على الاتحاد الأوروبي أن يُهدّد باستخدام الوسائل العسكرية في ليبيا". فيما اقترح "نوربرت روتغن"، أحد المرشحين الألمان لرئاسة الحزب المسيحي الديمقراطي خلفًا للمستشارة ميركل، في 7 يوليو من العام نفسه ، ضرورة مشاركة الجيش الألماني في عملية عسكرية تقودها الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي لإخماد الحرب الأهلية في ليبيا. بيد أن هذا الاقتراح لم يجد صدى إيجابيًّا في الداخل الألماني؛ إذ قُوبل بمعارضة من الأحزاب الألمانية الرئيسية المتمثلة في: الحزب الديمقراطي المسيحي الحاكم، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، وحزب الخضر، والحزب الليبرالي، والتي أجمعت على ضرورة دعم جهود الوساطة الدبلوماسية التي يقوم بها وزير الخارجية الألماني "هايكو ماس" لحل النزاع في ليبيا. وبالتزامن مع دورها السياسي والدبلوماسي، تستمر ألمانيا في قيادة الاتحاد الأوروبي لدعم مهمة "إيريني" التي تم إطلاقها في مايو 2020، لمراقبة حظر انتقال السلاح إلى ليبيا عبر البحر المتوسط، خاصة بعد انتهاك الأطراف الخارجية الداعمة للصراع للقرار الأممي بحظر الأسلحة إلى ليبيا، بما يساهم في تقويض نقل الأسلحة والأشخاص إلى ليبيا. وهذه المبادرة الألمانية ستكون النقطة الأخيرة في النقاش الذي ستديره وقفية كونارد اديناور وستتركز في سؤال:هل يتوجب على القوة العسكرية المنتدبة لتنفيذ مهمة الأمم المتحدة البحرية "إيريني" أن تتغير أو بالأحرى تتوسع؟

الحكومة الألمانية ممثلةً في المستشارة، في مساعيها لتعزيز الحل السياسي للأزمة الليبية استثمرت مباحثاتها مع الحكومة التركية بالاتفاق على الحاجة إلى تقديم دعم كامل من الداخل والخارج لعملية تشكيل حكومة وحدة وطنية ليبية. كما أكدت، المستشارة الألمانية خلال اتصال هاتفي أجرته مع الرئيس المُكلّف بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، على أهمية انسحاب القوات الأجنبية من الأراضي الليبية، وفقًا لمتطلبات اتفاقية الهدنة الليبية - الليبية.