Atwasat

مجرد سفسطة

محمد عقيلة العمامي الإثنين 08 مارس 2021, 03:00 صباحا
محمد عقيلة العمامي

"ما تراه أنت حق، فهو حق، وما تراه أنت باطل فهو باطل، فالإنسان مقياس الأشياء، هو معيارها، لأنه لا يوجد معيار ثابت للحقيقة " هذا خلاصة ما قاله الفيلسوف "بروتاغوراس"، في القرن الخامس قبل الميلاد. لقد تسمت فلسفته بالسفسطائية التي تعني الحكمة والحذق، أو "الشطارة "في الخطابة أو في توظيف القوانين الجدلية الكلامية بهدف الوصول إلى الإقناع بما يعتقد أنه الحقيقة، وهكذا اعتبرت السفسطائية عنواناً على المغالطة والجدل العقيم واللعب بالألفاظ وإخفاء الحقيقة.

وأنا، في الواقع، لا أنوي أبدا الدخول في مناقشة هذا الفكر، لا في رؤيته الدينية ولا في معتقداته، ولا فيما يراه السفسطائي حق أو غير ذلك، ولكن من دون الانجرار مع رأي أفلاطون القائل: «أن السفسطائي صورة زائفة للفيلسوف، همّه الوحيد تعليم فن الخطابة وأخلاق النجاح والمتعة والمنفعة، وتأكيد الذات، وذلك للارتزاق واقتناص الناس من ذوي الحب والمال».

ولكنني أرى أن أساس السفسطائية مقنع جدا، وأنها محاولة فكرية جيده، وجادة، ولكنها انتهت، باستخدامها سلاح لأي نقاش، قد يكون عقلانيا، أو غيره، ينهي به المجادل حديثه، إن كان على حق، أم لا! بجملة واضحة ونهائية: "يا أخي بطل سفسطه! ". متناسيا أن الرأي للجميع والحق مطلق.

أحد البحاث، الذي قد يعتبره البعض سفسطائيا! قسم، من بعد اختبارات أجراها على بعض الحيوانات، المملكة الحيوانية إلى طبقتين، وذلك بحسب ما يرى "شعب" النمل:
1- هناك حيوانات رقيقة، طيبة، مسالمة كالأسد، والنمر، والضباع، والأفاعي!
2- وهناك حيوانات مفترسة كالدجاج، والبط، والوز، والحمام، والعصافير، وبعض أنواع الدببة.

وبالتالي حكمنا على الآخرين يتأسس بحسب قناعاتنا! وأعترف أنني قلت في سري : "صح.. منطق مقنع!" ففي ذلك نسبية، ولم أعتبر ما قاله هذا الباحث، مطلقا أنه "سفسطة" بحسب رأي أفلاطون.

وأذكر أنني قرأت مقالا خلاصته: "إن الثراء الحقيقي ليس في الجري وراء ما هو ليس لك، ولا في التزلف والتقرب ولا في "الزمزكة" لمن بمقدوره أن يفتح لك (مغارة على بابا) لتكون رقم 41 في عصابته. الثراء أن يكون لديك ما يسد رمقك، أو في تمكنك من تحقيق وسيلة ترفع رأسك، وتكسب من خلالها ما يكفي احتياجك، حتى لو كانت "مزفرة" كجراب صنانيرك، وخيوطها، وبقايا ألأطعم.

الثراء ليس في السعي وراء ما لا تملك، ليس في التربص واقتناص الفرص، التي تتوالد في خيالك، والتطلع، بتذلل، لمن يمهر بتوقيعه المبارك الصكوك والاعتمادات. الثراء ليس في التطلع الشره، بابتسامة صفراء، وبالمزاحمة في الوصول إلى الصفوف الأمامية لتقدم ولاءك بقصيدة شعر، أو بابتسامة كلب مُطيع. الثراء فيما تخزن بين ضلوعك، وتحت فروة رأسك. إنه في القناعة، وليس في الاستكانة.

تأكد أن القناعة سوف تُزهر وتتبرعم في وجدانك، جراء سعيك الحثيث وراء العلم والمعرفة، والتجارب المشرفة، ومعرفة الناس الحقيقيين الشرفاء، الذين اكتشفوا أن احترام الأطفال لذويهم، كان بسبب صيت والدهم، أو والدتهم المشرف، الذين يلتصق اسماهما بأسمائهم، ويثابرون بالسبل كلها على أن يفخموا هذه الأسماء عندما يُعرِفُون بأنفسهم! فانتبهوا عندما يقدم أبناؤكم أسماءهم من دون تفخيم اسميكم، أو يسقطونهما، إما سهوا أو تعمدا، وأسالوا لِمَ ينسونه. أنا لا أعتقد أن الأمر مجرد سهو!

علموا أبناءكم الكبرياء، والحب والإخلاص والتسامح، أما "سد الرمق" فيكفيه قليل من زيت الزيتون ورغيف خبز وحفنة تمر! هكذا عاش الشرفاء من أجدادنا، الذين عرفوا أن التنقل باتساع صحراء ليبيا، لا يحتاج إلاّ لساقين قويتين واثقتين أو على الأكثر دابة، وليس سيارة مصفحة، لأنهم عرفوا مبكرا أن من صنع هذه السيارات المصفحة، هو من جاء لهم بالرصاص والبنادق، وأن الثراء هو ثراء النفس، التي عندما تستيقظ اليوم التالي لا تحتاج إلى أن تستعيد ما حدث الليلة الماضية، وتتساءل مذعورة: "هل يا ترى جلسة الليلة البارحة، أعجبت (الأستاذ)؟ هل سيوقع الصك؟ أو قرار الإيفاد أو التعيين؟"

الثراء في رأس امتلأ بالقناعة، والعلم، والحق، والكبرياء، والاعتزاز بالإنسانية، لأن ثراءها لن يتحقق عندما تُهينها! أو أن تُفوت ما لا ينبغي أن يفوت! فالحق بيّن والباطل أيضا، وكل ما يحتاجه المرء هو "التدبر" قياما وقعودا والتساؤل المتصل لِمَ وصلنا حد هذا الحال المزرى؟.