Atwasat

حسم بلا قُبّعات زُرق

نورالدين خليفة النمر الإثنين 01 مارس 2021, 01:03 صباحا
نورالدين خليفة النمر

تسعى حكومة الولايات المتحدة عبر سفيرها في ليبيا للضغط على مجلس النواب الليبي المصدوع بالتدخلات الإقليمية المعوّقة، ليلتئم بغرض منح الثقة وبسرعة لحكومة الوحدة الوطنية، التي تطلب منها أمريكا مهمة دولية ملّحة تتمثل في إخراج المرتزقة، وبالذات الروس من شرق ليبيا، الذين ألزمتهم أواخر عام 2020 الحرب العبثية على العاصمة طرابلس .

مايؤكد هذا الإلحاح المتنامي، جهود النخبة الديمقراطية في الكونغرس لإعادة تقديم مشروع قانون: تحقيق الاستقرار في ليبيا، الساعى إلى تعزيز سياسة الولايات المتحدة في دعم الحل الدبلوماسي للصراع، والذي بمقتضىاه يُعَاقب من يرتكبون انتهاكات لحقوق الإنسان أو يدعمون التدخل العسكري الأجنبي أو يهددون السلام والأمن والاستقرار. كما من شأن القانون أن يحشد الموارد الأميركية، بما في ذلك المساعدات الإنسانية،، لدعم انتخابات حرة ونزيهة، ومكافحة الفساد، وتحقيق الانتعاش الاقتصادي، بما يعزّز الحكم الرشيد في ليبيا.

في حال صدر هذا القانون، فإنه سيُسكتُ المطالبين، درءاً للفوضى، بالتدخل العسكري الأممي في الأزمة الليبية الراهنة، الذين يخلطون بينه وبين الانتداب البريطاني الذي أسس لبنية استقلال ليبيا من الاستعمار الإيطالي، الذي بدأت المطالبة به من عام 49 وتحقق في 24 ديسمبر 1951، ليفسح المجال للمنظمة الأممية الوليدة أن يكون الاستقلال كـProcess سياسي باسمها هبة لليبيا من البلدان المنتصرة في الحرب العالمية الثانية .

يسجل المتابعون لوقائع التدخل الأممي، فيما بعد الحرب الباردة فشل القوات التابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام في تحقيق أهدافها الرئيسية في العديد من مناطق انتشارها. وقد أرجع "Severine Autesserre" أسباب الفشل إلى عدة عوامل، أبرزها العامل الذي يتعلق بالنزاع ما يشبه قرينه في ليبيا مابعد عام 2012 ويتمثل الإخفاق في تبني استراتيجية خاطئة: تتجاهل التعامل مع المواطنين، وفي مقابله تفضل التعامل مع النخب الاجتماعية والسياسية. وبذلك، تغفل المنظمة الأممية عن القيام بما ينبغي من خلال تبني استراتيجيات تركز على نهج "من أسفل لأعلى"، الذي يقوم على المعرفة الجيدة بمجتمعات مناطق الانتشار، والسماح بمشاركة الناس أنفسهم للوصول إلى أفضل السبل لتعزيز السلام الأهلي بين التكوينات المجتمعية المتباينة.

لقد رضخت الخارجية الأمريكية لإهمال الرئيس ترامب للقضية الليبية، ولكنها ربما تعود لتتبنى من جديد مبدأ الرئيس أوباما بإدارة الصراع عن بُعد، وتحويل الأعباء بشكل شبه كامل على الحلفاء الأوروبيين وتمكينهم من المبادرة بشرط أن يتفق الأوروبيون على الجهة التي يدعمونها. وكما في السابق ظل الإيطاليون يدعمون سياسياً حكومة الوفاق التي تسيطر على العاصمة طرابلس، وعندما طالها عدوان مُسمى الجيش الليبيي من شرق ليبيا وأحلافه من غربها تركوا الفرصة لتدخل روسيا باسم مرتزقة فاغنر. بينما وقفت فرنسا داعمة دولاً عربية ضد حكومة الوفاق فأحجمت إيطاليا عن المواجهة وتركت تركيا بطيرانها المُسيّر تحسم هزيمة الميليشات الملفقة جيشاً المعتدية على العاصمة، هذا الانقسام يصعب دائماً عملية يقودها القبعات الزرق جنود أمميون تحت علم الأمم المتحدة أو قوات رديفة تحت مظلة الاتحاد الأوروبي تسعى إلى إخماد الحرب الأهلية في ليبيا. فينطرح السؤال الدائم: مع من سيقف الجنود الأوروبيون في حال فشلت هدنة العسكريين الليبين 5 + 5، وتجددت الحرب الليبية ـ الليبية؟ الإجابة سيتواجهون بما يُذكر بحقبة الاستعمار. وهنا تظهر الحاجة إلى التوصل إلى إجماع سياسي داخل الاتحاد الأوروبي يسمح بمناقشة عديد الأسئلة المفتوحة.

لقد وُوجه نهج الأمم المتحدة في إنهاء الحروب والنزاعات المسلحة بعددٍ من النقود نركز على اثنين منها: لجؤوها إلى استضافة مؤتمرات كبيرة ومكلفة من أجل إبرام اتفاقات ـ غالباً ماتكون هشّة ـ بين الحكومات والقادة المتمردين، وتنظيم تصويت قومي ينهي شكلياً الصراع. ويكمن ضعف هذا النهج -وفقًا لـ Autesserre- في أن الحروب ليست نتاج التنافس القومي أو الدولي فحسب؛ وإنما التنافس المحلي أيضًا. ويُضيف الكاتب أنه عندما يتعلق الأمر بتحديد الأمم المتحدة للانتخابات، فإن المشكلة تكمن في أن الضغط من أجل التصويت الانتخابي قبل أن تصبح الدولة جاهزة قد يضر أكثر مما ينفع.
يطلب القانون الأمريكي: لتحقيق الاستقرار في ليبيا تقريرا عن التدخلات الأجنبية في النزاع، واستراتيجية لمواجهة النفوذ الروسي المتزايد في الأزمة الليبية. وهذا الطلب يعكس قلق الإدارة الأمريكية الجديدة، من أن الحكومة المكلفة بالوحدة الوطنية رئاستها غير مؤهلة لتحقيق المطلب الأمريكي في الإخراج الفوري لمرتزقة فاغنر الروسية من الشرق الليبي. فالرئيس المقترح من ملتقى حوار جينيف بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية قام بزيارات مكوكية في الداخل الليبي، ولم يتوّجه مباشرة إلى الرجمة حيث يقبع قائد مُسمى الجيش الليبي الذي في يده ورقة المرتزقة الروس، لتي تلعب بها فرنسا لإحراج التدخل العسكري التركي لصالح حكومة العاصمة طرابلس بتهمة المرتزقة السوريين المُدّعاة. والتلاعب الفرنسي هدفه التضييق على تركيا باحثاً منافساً عن الغاز في شرق البحر المتوسط.

وسائل الإعلام الفرنسية، التي توجه الرأي العام وتؤثر في السياسة الخارجية، قللت من قوة الهجومات الدبلوماسية الأمريكية التي تستهدف بشكل مباشر مرتزقة "فاغنر" الروسية وبالتبعية الملحقة بما أسمتهم بـ "الجنود الأتراك. وترى هذه التهجمات صدىً بعيداً لقانون "استقرار ليبيا"؛ بل إن مجلة "جون أفريك" المرموقة قللت من فرص نجاح هذه المحاولات الضئيلة من قبل واشنطن بناء على تصريح الرئيس التركي ومفاده الذي يُضمر صفقة روسية ـ تركية ترضى عنها مؤقتاً فرنسا بأن سحب قوات تركية من ليبيا تقابله انسحابات لقوات أجنبية أخرى“.