Atwasat

أحمد الفيتوري يكتب: وقائع سنوات فبراير (2- 4)

أحمد الفيتوري الثلاثاء 23 فبراير 2021, 01:18 صباحا
أحمد الفيتوري

عام 2006م، رسوم أعيد اكتشافها بعد نشرها بعام، تسيء للرسول الأعظم، كانت قدح الشرارة لمظاهرات دعى لها النظام ضد الرسومات، فانقلبت في مدينة بنغازي إلى تظاهرة ضد النظام. حيث إن الشباب من لم يتجاوز العقد الثاني، يمثلون أكثر من نصف عدد السكان، يعيشون في بطالة وعسر اقتصادي وحصار، وعزلة عن العالم ما يتدفق عليهم عبر محطات التلفزيون الفضائية والانترنت.

الانترنت، التي لأول مرة عبرها تمكن الليبيون من نشر صور تظاهرهم في حينها، رغم أن النظام أوقفها عن العمل، لكن كان للبعض خط عبر الأقمار الاصطناعية، هؤلاء الشباب المتظاهرون، سقط منهم 23 قتيلا وبالرصاص الحي، حسبما جاء في اعتراف صريح من النظام، وذلك في مظاهرات 2006م يوم 17 فبراير.. فبراير في تقويم القذافي الذي فرضه على البلاد، هو شهر النوار، لكن نوار عام 2006 م كان بمثابة مذبحة أخرى، قام بها القذافي في ليبيا.

بعد عامين فقط، حدث تسو نامي مالي في العالم، الذي بدا على حافة هاوية، وقائد أسود لأول مرة في التاريخ، يقود الولايات المتحدة الدولة الأعظم، وكأنما ما حدث زلزال زلزل المنطقة وسد سبل الأنظمة فيها، هذه المنطقة الرجاجة في العالم، التي يهيم عليها الاستبداد منذ عقود ويتعقد حالها مع مر السنين والأزمات.

نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، انبثق الياسمين في تونس التي أطلق على انتفاضة شعبها ضد الديكتاتور زين العابدين بن على: ثورة الياسمين، ما قفزت عن الحدود الليبية لتندلع في القاهرة 25 يناير 2011، في التاريخ هذا قامت ثورتان شعبيتان كما لم يحدث في تاريخ المنطقة، ووقع العقيد معمر القذافي وجماعته وشبه نظامهم بين المطرقة والسندان.

لم يتم معالجة أية أزمة في ليبيا، منذ انقلاب سبتمبر 1969م على النظام الملكي، إلا بالقفز عليها، قائد الانقلاب الملازم أول معمر القذافي، من رفع رتبته لعقيد في ديسمبر 1969 م، كانت أول مشاركة له في قمة عربية بالمغرب، فعاد إلى ليبيا رفقة الرئيس المصري جمال عبد الناصر من يلقبه إعلامه برائد القومية العربية، ومن في خطاب له بطرابلس 1970 م، لقب العقيد معمر القذافي بأمين القومية.

لقد بدأ القذافي منذها يقفز عن أزمات ليبيا وحتى أزماته، نحو القضايا العربية ومركزها فلسطين وقضايا التحرر العالمي، مارس دائما الهروب إلى الأمام، باعتباره أمين القومية العربية فالقائد الأممي، ونجح في توطيد سلطته المطلقة بتوظيف هذا الهروب الكبير، تقريبا نجاحه المضطرد هذا واعتداده به وجنون العظمة مصاب الطغاة، جعله يعمى عما يحدث في مطلع عام 2011م، لهذا عالج نوار 2011م بالطريقة المجربة في فبراير 2006 م.

حين بانت تباشير، ما سمي في الإعلام الغربي بالربيع العربي في تونس فمصر، تعبر السوشل ميديا خاصة صفحات الفيس بوك، وجه ليبيون جلهم من الشباب، الدعوة للخروج في تظاهرة في الذكرى الخامسة لانتفاضة 17 فبراير 2006 م. بدا أن الفيس بوك كما غرفة عمليات، وما يكتب على صفحاته بمثابة مناشير غير سرية، كما كل الثورات الكبرى، انفجرت الثورات في شمال أفريقيا، دون قيادة ولا برنامج، لكن حملت ذات الدعوات الثورية الكبرى الحرية والكرامة.

سلمية.. سلمية، انطلقت تظاهرات الليبيين تهتف، وحافظت على هذه السلمية، لكن العقيد القذافي كعادته، وبنفس طريقته واجه هذه التظاهرات بالرصاص، ونما سلاحه حتى درجة القنابل بالمدافع وحتى الطائرات، خاصة وأن شرق البلاد خرج عن سيطرته بالتظاهرات السلمية. درجة أن جماهير البيضاء اقتحمت مقار إقامة وبيت للقذافي في منطقة محاذية، واستولت بالأظافر عليه، وعلى ملاذ فيه خاص بالعقيد القذافي، تحت الأرض معد ضد الحرب النووية. وفي غرب البلاد نجحت الجماهير في السيطرة في كل من مدينة الزاوية قرب العاصمة ثم الجبل الغربي، وخرجت عن سلطته مدينة مصراته، فبدا وكأنه باشا من حكام الدولة القرهمانلية محاصر في طرابلس العاصمة، في مقره: حصن باب العزيزية، ذلك حدث في غضون أيام بين 17 فبراير حتى 19 مارس 2011 م.

مساء 15 فبراير في مدينة بنغازي، وإثر اعتقال محامي قضية الأطفال المصابين بالإيدز فتحي تربل، خرج متظاهرون يطالبون بإطلاق سراحه، وتوجهوا إلى مديرية الأمن حيث يوجد المعتقل، ازداد عدد المتظاهرين وعادوا إلى وسط المدينة يهتفون: يسقط النظام. ستكون النساء وأصوات هتافاتهن: "نوضي نوضي يا بنغازي" مما وثقته الميديا وذاكرة الليبيين في مدن البلاد الأخرى، جوبهت التظاهرة بإطلاق الرصاص، واعتقل كثير من المتظاهرين. وفي اليوم التالي انتشرت تظاهرات في المدينة وشرق البلاد، والتقى عدد كبير من المحامين في مدينة بنغازي أمام محكمة بنغازي، وألقوا بيانا طالبوا فيه بإطلاق سراح من اعتقل، وبالمحافظة على حقوق مدنية وقانونية، وعقب ذلك اعتقل أفراد آخرون منهم محامون، وأطلق رصاص وقتل أفراد. في اليوم التالي، ووجهت جنازة للمتوفين أيضا، بإطلاق الرصاص من قبل رجال أمن، ولجان ثورية ومدنيين من ذوي السوابق، من كانوا يرتدون القبعات الصفراء.

في طرابلس العاصمة، اعتصم جمع من المحامين وطالبوا بإطلاق المعتقلين، خاصة من زملائهم في بنغازي، وطالبوا بإيقاف العنف. أما الاعتصام أمام محكمة بنغازي، فقد حول ساحة المحكمة لساحة للحرية، حمى التظاهر والهتاف بسقوط النظام ما عمت التظاهرالبلاد. ثم في شرق ليبيا خرجت المدن عن سلطات القذافي، وكونت لجانا لإدارة شئون المدن المحررة، وفي بنغازي اللجنة التي أعضاء كثر فيها من المحامين، كان مقرها مبنى المحكمة.

التقت مجموعة من نخب أخر من المدينة، بمقر الجامعة الدولية، وهؤلاء اقترحوا تكوين مجلس وطني لقيادة الثورة، مع اقتراح أن يكون أعضاؤه من رؤساء لجان المدن المحررة، واقترح المحامي عمران بورويس، الاتصال بزملائهم من اعتصموا بطرابلس، للاسترشاد بآرائهم في هذا وخاصة مقترح لرئيس المجلس الوطني. ساعتها لم تقطع الاتصالات بعد، فتم الاتصال وجاء مقترح بسم المستشار مصطفي عبد الجليل: وزير العدل في نظام القذافي حينها، من أعلن انضمامه للثورة، وهو أصيل مدينة البيضاء شرق ليبيا، ولقد حقق إعلان الاسم إجماعا عفويا ومباشرا، من مدينة الزاوية غرب ليبيا، ما لم يتمكن بعد القذافي من استعادة السيطرة عليها، ومن ليبيين خارج البلاد، حتى قبل أن تمنحه بنغازي تأيدها.