Atwasat

ما يكون هذا الذي نسميه وطنا؟

محمد طاهر الخميس 18 فبراير 2021, 05:09 مساء
محمد طاهر

الوطن:

ذكريات نسكنها وتسكننا..أغنية حب تتناهى عبر الأزمنة حاملة طعم أيام خوالٍ.

الوطن محفور في ذكريات الطابور الصباحي ووجوه أقراننا الباهتة،وملامح زمن مضى غزته التجاعيدواختطفت نضارته دون أن نحس.
الوطن: أمٌ تصحو قبل الجميع وتنام في الهزيع الأخير من الليل.. هو ذكرى أول ابتسامة تهدينا إياها بنت الجيران وهي تفر هاربة إلى بيتها.
هو ألعابنا التي تفننا في صنعها من بقايا الحديد والخشب لنزين بها طفولتنا البائسة.
وهوتلك الساعات التي تتكدس فيها العائلة حابسة أنفاسها أمام مسلسل تلفزيوني يعرض حيوات أخرىلا نعرفها.
الوطن:
رحلة مدرسية مع معلمين يحصون عليك الأنفاس..هو جامعة تمر عليك سنواتهاخاطفة خاوية، تجتر خلالها ذكريات المدرسة دون أن يعلق بك منها شيء.
الوطن أغنية فيروز "شايف البحر شو كبير" التي تعود الراديوالمحلي على ترديدها كل صباح.
هو عبد الحليم حافظ نشاطره آلام غرامه ولوعته ونتعلم منه الحب.. هو ما علق من أغاني أم كلثوم وهي تغرقنا في لجة من الحنين تتقطع لها الأنفاس.
وقبل كل ذلك، الوطن مزيج سحري نرضعه مع حليب أمهاتنا، ورائحة تعلق بنا في أحضانها، وتصبح مثل وسم لا ينمحي.
أحس بذلك حين تطأ قدماي بقاعا أخرى. أول ما يصادفني رائحة جديدة، كما لو أن رائحتنا الخاصة الدخيلة تستفز نظيرتها فتصعد معلنة عن نفسها.
الوطن على بساطته هو في حقيقة الأمر مثل نسيج معقد تكاتفت خيوطه والتوت وتداخلت بطريقة مدهشة وسحرية، جعلت من كل نقطة من كل رمز من كل لون حروفا تتكلم، نسمع همسها وجهرها في داخلنا.
ويمكن القول إن لكل منا وطنه الخاص الذي لا يشبه ما لدى الآخر حتى لو كان توأما.. وسر ذاكيكمن في درجة إحساسنا بوسمنا الخاص، وبما تبوح به خيوط النسيج السحري الذي نفترشه جميعا، لكن نشعر به بدرجات متفاوتة.

من أين يبدأ الوطن؟
لا توجد وصفة واحدة لذلك، وإحداها تقول إنه يبدأ ما أن نسمع مناجاته لنا.. صوته السحري وثيقة ميلاد أبدية وعهدٌلا ينفصم. لهذا، إذا لم يهمس الوطن لأحد وهو في أوج صحوته، فذلك يعني أنه خارج التغطية، وربما يحتاج إلى البحث عنه وقد يصادفه يوما ما إذا أخلص الرجاء.

الوطن هو كل التفاصيل
هو كل خلية
كل دقة قلب
كل خدش
كل كلمة فرح أو حزن

الوطن:
شيء أعمق مما نظن وأكبر مما نتوهم.