Atwasat

وقائع سنوات فبراير 1 من 4

أحمد الفيتوري الثلاثاء 16 فبراير 2021, 11:05 صباحا
أحمد الفيتوري

عاش القذافي نهاية الثمانينات، وعقد التسعينات من القرن العشرين، في بيات شتوي، إثر فشل مغامراته في تحدي الولايات المتحدة، التي قصفت بيته عهد ريغان بالطائرات في 15 أبريل 1986م، بعد اتهامه بتفجير ناد ليلي في برلين من ضحاياه جنود أميركان. وتم إثرها أزمة القذافي الكبرى مع الولايات المتحدة، بما عرف بقضية لوكربي، حيث اتهم بتفجير طائرة ركاب مدنية على متنها العديد من الركاب الأميركيين، ما تسببت في الحصار الجوي ومنع الطيران من وإلى ليبيا.

وقبل كانت هزيمة القذافي المدوية في تشاد، والأزمة الاقتصادية قد تفاقمت بعد انخفاض أسعار البترول، وقد أخذ الاتحاد السوفييتي الحليف يلفظ أنفاسه، عقب البيروسترويكا التي كتبت على إثرها، الكاتبة المقربة من القذافي فوزية شلابي بمجلة (لا)، مقالة في حلقات بعنوان البيروسترويكا الليبية.

في شوارع حي الصابري بمدينة بنغازي نهاية 1989م، لأول مرة يحدث أن يقاتل أعضاء اللجان الثورية، جماعة مسلحة، كانت من عقيب ما عرف بالأفغان العرب. وعلى إثر ذلك ستقوم الكتائب الأمنية للنظام، بتمشيط الجبل الأخضر ومحاصرة مدينة درنة، التي فيما بعد وكدت مجلة نيوزويك الأميركية في تحقيق استقصائي، لصحفي تمكن في زيارة خاطفة، أنها المدينة التي تدعم القاعدة وحروبها، بعدد من الأشخاص، أكثر من أي مدينة في العالم، بالأخذ في الاعتبار عدد السكان.

وفي فندق تيبستي بمدينة بنغازي، التقي أحد المعارضين الليبيين العائدين للبلاد، مع عبدالله السنوسي رئيس المخابرات الليبية آنذاك، من ذكر له في حديث قصير دار بينهما، أنه كان في مدينة تورا بورا، في إشارة لمدينة درنة ما كان في زيارتها، ولبث رسالة خاصة عن حال البلاد المتردي. حاول القذافي كسر حدة الحصار ما بدأ يعيشه، من خلال انقلاب قاده ضد نفسه، بأن أطلق سراح السجناء السياسيين، فيما عرف بأصبح الصبح في 3 مارس 1988م، حيث هدم سورا لسجن بوسليم وهو يمتطي «كاتربيلر»، وأعاد جوازات سفر الممنوعين من السفر لأصحابها، ودعا لعودة المعارضين إلى البلاد، وسمح بالتجارة الحرة والقطاع الخاص وما شابه ذلك.

لكن كعادته اتخذ خطواته هذه مترددا، بيد مرتعشة فجاءت المبادرة متأخرة. لقد أنهك نظام القذافي من أصيب شخصيا بالأمراض، وبدأت علامات شيخوخة مبكرة تظهر عليه، خاصة بعد أن كبر أولاده ودخلوا في حالة من التنافس بينهم، على كعكة القذافي المتمثلة في الثروة والسلطة والسلاح، ما انفرد بالاستحواذ عليهم. لم يخرج القذافي ونظامه من عقد التسعينات، بل تدحرجت أزماته معه في السنين التالية، ولم يدخل القرن الواحد والعشرين، إلا وهو يلفظ أنفاسه.

خاصة إثر ضربة مفاجئة للولايات المتحدة، بالعدوان عليها في سبتمبر 2001م، وسقوط أبراج نيويورك، عليه تم ضرب بغداد فغزو العراق وإسقاط نظام صدام، ما حتم على القذافي أن يباشر القيام بانقلاب آخر، وفي غضون سنين قليلة. لذا رأى وجعل شعاره سلم تسلم، فأعلن تسليم ما أشيع أنه مشروع القذافي النووي، واتخذ وضعية إلى الخلف درّ، بأن أصبح بين ليلة وضحاها، رجل سلم ورجل الغرب حتى في أفريقيا، ما كان قد بدأه بمؤتمر قمة أفريقي باذخ العام 1999م في مسقط رأسه مدينة سرت. ومن ذا دعا الليبيين أن يلونوا سحنهم جميعا باللون الأسود ليوكدوا أفريقيتهم، وحيث جاء في تعديل آخر للكتاب الأخضر، أن السود يسودون ...

في هذا الحال، في أكتوبر 2001م ذهب القذافي إلى مدينة هون، التي تقع في منطقة الجفرة بوسط الصحراء الليبية، والتي جعل منها عاصمة، حيث انتشرت شائعات أن ابنه (المعتصم)، الذي للمصادفة قتل معه عقب ثورة فبراير، قد استولى على معسكر بطرابلس، ودخل في عراك مع رجال الخيمة/رجال أبيه في المدينة، وقد توكد ذلك حين ظهر الابن المتمرد في القاهرة ومنحه الرئيس المصري مبارك رتبة عقيد، هذا المؤشر تبعته أخبار عن إصابة القذافي بجلطة...

لقد توالدت وتتابعت الأزمات، وقمتها بالنسبة للقذافي نجاح المعارضة الليبية بالخارج، في عقد مؤتمر بلندن عام 2005م. عندئذ العالم دخل في موجة الرقميات، العصر السيراني، حيث ظهرت الإنترنت. ولم يكن من بدّ، أن يحشر نظام القذافي في هذه الزاوية، لذا اضطر للقبول وببطء بانتشار الكومبيوتر، كما فعل قبل مع عالم الأقمار الصناعية والبث التلفزيوني الفضائي. في مؤتمر لندن، لأول مرة ومنذ عقود يشاهد الليبيون العلم الوطني، ويسمعون النشيد الملكي... إثر ذلك أو أثناء ذلك، انبثق للعلن مشروع التوريث، ما سيرفع في البدء شعارات المعارضة، ما تجلى في الابن الثاني سيف الإسلام، من سرعان سيوصم عند الليبيين بزيف الأحلام.