Atwasat

17 فبراير 10

أحمد الفيتوري الثلاثاء 09 فبراير 2021, 11:35 صباحا
أحمد الفيتوري

• لكل قاريء قراءة
القصاب جاري، من كنت زبونه، كان لحوحا لمعرفة متى ستستقر البلاد؟، وقد جاءني مرة بيقين سمعه من والده، ما يريد مني التشكيك فيه، قال لقد طلبت من والدي، صاحب الخبرة والحنكة، التخفيف من غلوائه، دخلت معه في أخذ وعطاء، لكنه لم يتزحزح عن توقعاته. موكدا رفضه لهذه التوقعات: تصور لقد قال البلاد بعد ما يحدث، تحتاج لعشرة، "حولٌ ينطح حولْ"، وهذا على الأقل، طالبته أن يقول خمسة، رافعا كفه في وجهي: كافية أليس كذلك؟... حدث ذلك في الشهور الأولي لثورة 17 فبراير2011م. كان جاري القصاب، عادة ما يستعين بوالده لتفسير ما يغمض عليه، فوالده عنده من كابد الجوع والفقر، ومن كان جنديا خاض الحرب العالمية الثانية، ثم شارك في معارك الاستقلال وما بعده، وقد مارس التجارة في تربية الماشية وبيعها جملة، وله أكثر من محل قصاب.

المشهد التلفزيوني التظاهرات في تونس، مدعاة تداعي سيناريو ما بعد فبراير الذي دار بين الجار القصاب ووالده. بعد سنوات عشر، كأنما المشهد الأول للربيع العربي، ما يعرض التلفزيون، مثلما يقدم برامج بالمناسبة العشرية لياسمين تونس والربيع العربي، نشرات الأخبار تتناقل ما يحدث الساعة: الشعب يطالب بسقوط النظام.

ثمة في المشهد تظاهرات في طرابلس لبنان، وسقط النظام في السودان وفي الجزائر، وما يحدث في العراق وبلدان أخر عربية وإن بصيغ مختلفة. وما حدث ما حزره القصاب الوالد، حدث في البلاد، كما يحدث في سوريا واليمن، لقد جاء عدم الاستقرار في عقد من الزمان، بالحرب الأهلية الساخنة في بلدان، وبالحرب الأهلية الباردة في بلدان أخر. لم أقل حينها للقصاب: أن تحزير والده، عله مبنى على خلفية، يثيرها نعت الثورات في المنطقة بالربيع العربي، فقد عايش كما عايشت في الصبا "ربيع براغ"، ما انتهى بدخول الدبابات السوفيتية براغ، وأسر دوبتشيك زعيم ذاكم الربيع وغيره من القادة، ما نسي حتى عام 1989م، ليتضح أن ما ردمَ تحت التراب بذور استنهضها رذاذ، زلزل العالم حتى قبر الاتحاد السوفيتي.

قال السوفييت وأتباعهم، عن ربيع براغ، أنه مؤامرة إمبريالية، وقد ردد فحوى قولهم فيما بعد، رئيس الإمبريالية ترامب، عن فشله في الانتخابات، كان هذا لسان حال العجز في كل زمان ومكان.

• السؤال الجاري هل تنجح ليبيا؟
لكن سؤال جاري اللحوح باق، رغم ما تقدم وما تأخر، فمتى تستقر البلاد، إجابة والد القصاب ما لم تعجب القصاب الابن قالت مكابدة لسنوات عشر عجاف، لكن الزيادة أهم: على الأقل!. وعودا على بدء فـ "ربيع براغ" ما قبر في عامه الأول 1968م، لم يستنهض بصورة أخرى حتى عام 1989م، فهل كان القصاب الوالد مثل ابنه، يعرف أن معاناة براغ، ضعف تقديره لمعاناة البلاد؟، لكنه مثل ابنه يريدها أقل.

المشهد التلفزيوني التظاهرات في تونس، يوكد ليس بعد، وأخبار البلاد تردد نجاحات: الأمريكية ستيفاني وليامز المندوبة الأممية السامية بالإنابة لليبيا، في مسارات أربعة تخص المسألة الليبية، أولا المسار الدولي والإقليمي، ثانيا المسارالعسكري لجنة 5+5، ثالثا المسار الاقتصادي النفطي والنقدي والميزانية ومؤسساتها، رابعا المسار السياسي بإعلان مجلس رئاسي منه رئيس لمجلس الوزراء، ما يمثل سلطة تنفيذية موحدة. هذه النجاحات يعتبرها البعض الباب الذي ينبيء بالربيع، فيما بعض آخر يوصمها بأنها الصخيرات 2، في إشارة إلى اتفاق الصخيرات سيء السمعة والفعل.

في المشهد التلفزيوني أيضا، توافقات في الخليج العربي وشرق المتوسط، كما منزلقات حربية في الشرق الأفريقي، في السودان الثورة وأثيوبيا الديمقراطية، وانقلاب في شرق آسيا، ورئاسة جديدة في الدولة العظمى خرجت من غزوة الكابيتول. هذه الخلفية الدولية والإقليمية، تذكر أن ثورة 17 فبراير جاءت ضمن الربيع العربي، وعلى ذلك فإن النجاحات في العام العاشر لثورة فبراير، جاءت أيضا في لحظة مماثلة، فيها من التوافقات كما فيها من المنزلقات.

القصاب الهلوع، تساءل عند نجاح ثورة فبراير،عن مكنة استقرار البلاد، السؤال الآن نفسه بعيد هذه النجاحات عن: هل البلاد عند باب الاستقرار أم عند الصخيرات 2؟، المتغيرات تجيب بأن نجاح ليبيا، سيكون هذه المرة مفردا بصيغة الجمع، لو تصورنا طي صفحة السنوات العجاف، وخوض حرب السلام، بهمة الثالوث الدولي والإقليمي والمحلي، فإن هذا يعني أن قولة القصاب الأب "على الأقل" صحيحة، من حيث إن المبتدأ ليبيا باب الربيع: الاستقرار في المنطقة، ما تحدث عنه مسؤولو المنطقة وفي العالم، وما تعتبره الإدارة الأمريكية هدفها، هذه الإدراة ابنة الجائحة كورونا، ما وحدت العالم في المأساة وتكاليفها.

في المشهد التلفزيوني أيضا، وعلى الأرض، ثمة حرب دولية ضد عدو واحد شرس، الكورونا ما كشفت عن الانقسامات/ البريكست، التي تجتاح العالم في العصر السبراني، ما تجتاحه جائحة تهدد وجوده، هذا يحدث وليبيا مهددة في وجودها، كما بريطانيا التي البريكست رفع من حالة مكنة انقسامها.

• عود على بدء
بالعودة إلى ماضي ليبيا، نجد أن ما وحدها خطر الانقسام، فقد أعلنت أولا دولة برقة كدولة مستقلة 1949م، بعلمها ودستورها وبرلمانها وجيشها وأميرها. وفي هذه اللحظة الاستثنائية، ومراجعة كل ما أشرنا إليه، استقرار ليبيا المفتاح للاستقرارفي المنطقة. لكن هذا في لحظة جائحة، كورونا الفيروس ما يتم تناسيه، يفعل فعله حتى عند الشفاء منه، كذلك النجاحات الليبية المؤقتة، تتم في اللحظة التي فيها ليبيا منقسمة على نفسها.

وفي تقديري أن خارطة طريق وليامز، ذات النكهة الأمريكية، ما وضع لبنتها غسان سلامة، وضعت هدف الانتخابات أولا، واعتبرت أن تحسين أوضاع أهالي البلاد، الزيت ما يرطب مكنة السير في الطريق لتحقيق هدف الخارطة. لكن كل تمترس عند نقطة فائتة، كما كل قفز عن المرحلة، وكل تشبث بما كسبت أيدي غائصة في وحلّ ما فات، سيعني تكريسا للحاصل، جائحة الانقسام ليس إلا. وهذا التكريس يريده ويبتغيه، من تحت أياديهم ثروة البلاد أولا، ومن حقق من مكاسب شخصية، هؤلاء الانفصاليون، الذين يتقنعون باتهام الغير بالانفصال.

ليبيا بلاد أقاليم ثلاثة، سواء سميتها برقة وفزان وطرابلس، أو سميتها المحافظات الشرقية والمحافظات الغربية والمحافظات الجنوبية، في بنيتها الانقسام بالقوة ولكن الوحدة بالفعل، كذا تنبه وفعل من ساهموا في النضال الوطني وفي تأسيس الدولة، وهذه المهمة الوحدة على الطاولة، وفي كل وقت، تحتاج إلى النضال من أجلها. كما أن الديمقراطية كيان ضعيف، تحتاج إلى الذوذ عنها، وهي المهمة التي لن ينتهي الربيع العربي وبالتالي ثورة 17 فبراير، حتى تحقيقها، ليس في هذه العشرية "على الأقل"، لكن ما ردمَ تحت التراب بذور كما وكد القصاب الأب، ما لم يقبله القصاب الابن.