Atwasat

ما بعد دبيبة والمنفي.. نسف الحل الملكي

عبد الكافي المغربي الثلاثاء 09 فبراير 2021, 10:29 صباحا
عبد الكافي المغربي

ليس من شك أن خطب الفوز التي تأتي تأكيدا لبرامج انتخابية تغفل في غمرة التفاؤل بالانطلاق ما يمكن أن ينعطف إليه المستقبل. وفي استسلام للإرادة الخارجية، ربما للطموحات الفردية، أو لتفاؤل غير موضوعي، يتحدثون عن انتخابات برلمانية ورئاسية آخر العام. وآية على هذا النوع من التفاؤل حاد الخطورة، نطلب ممن هو أشد منا قوة وأكثر جمعا ألا يتدخلوا في شؤوننا، بحسب رئيس الحكومة المكلف، على أن نتعهد نحن بالمثل، في حال لا ينقصه هوان من الهوان الذي كانت "إيطاليا المهيضة" في عهد دانتي تنكسر فيه أمام ممالك أوروبا.

وفي مقابل مشهد تتصالح فيه المصالح، يراود سؤال ملح الليبي الذي لا يكتفي بالرجاء أن يأتيهم من يصلح البلاد والعباد، هل ستدوم مصالحة المصالح؟ وأين هذا من قول
الرعاة الدوليين الفصل في المسألة الليبية؟

لا يسع أي موضوعي التشكيك في الديمقراطية كحل معقول للنزاعات ومبدد للطاقات السلبية للفوارق القائمة بين الأيديولوجيات المختلفة. غير أن الديمقراطية السطحية التي لا تتسرب إلى أعمق جذور المشكلة الليبية لم ولن تصنع الحل. إن الاستقرار الدائم والقائم على أسس ديمقراطية يتطلب معالجة الأزمة التعليمية الخانقة والخطيرة في البلاد. كان من باب أولى أن يصنع الشعب مصيره تصديقا لتلك الشطحات الإنشائية عن إرجاع الأمانة وإعادة الحق لأصحابه، بيد أن الجهل الفاضح المعشش في العقل الجمعي أبعد الشعب حقا عن صنع القرار. ونفهم ذلك من نسف خيار عودة الحكم الملكي الدستوري لليبيا، في قفزة استنتاجية ممن يفترض أن يكونوا ممثلين للشعب بكليته.

لو أن التعليم الجيد لا يكون متوازيا مع عافية النظام الديمقراطي، لما اتفق فلاسفة الأنوار ومشروع دكتاتورية الفلاسفة عند أفلاطون، أن نظاما ديمقراطيا يستشهد فيه أمثال سقراط لا يصلح نموذجا لأفضل نظام حكم ممكن. إن انحطاط التعليم لا يكاد يبين لنا مثالب النظام الرئاسي الذي يريده لنا مجتمعو جنيف، وبخاصة أن الديموغرافيا الليبية قد لا تسمح لبرقة أو لفزان العملاقين جغرافيا والغنيين بالموارد الفوز بالمنصب الأعلى في البلاد. ويمكن مع بعض سوء الطالع - ولدينا منه وفرة- أن ننحدر

في هاوية ظلماء، ونجد أنفسنا مجددا إزاء حل تمزيق البلد.

كتب المترجم والكاتب فرج عبد السلام الترهوني، مقالا موضوعيا بعنوان «في مديح الملكية» قبل ستة أعوام، ولا تزال جدلياته صالحة لهذا اليوم. ولا نعرف حقا أسباب إبعاد الملكيين الدستوريين من ملتقيات الحوار، أو تصفية الحل الملكي نهائيا، هل يعود إلى ضعف أداء الكيانات الملكية أو انعدام التمويل أم أنه عائد إلى تأثير عناصر أخطر، ربما تريد أن تتخذ ليبيا مسارا موازيا للمسار المشؤوم الذي اتخذته العراق بعد رفض الشيعة والأكراد عودة الهاشميين للحكم.

لا شك أن الإبقاء على مملكة بلجيكا المهددة دوما بالتقسيم واستعادة ملكية إسبانيا التي تُظِّل فسيفساء غنية إنما متناقضة من الأعراق لم تكن وليدة أهواء «نوستالجية»، غير أنه إذا ملأ الملك فراغ الرئيس في أمة منقسمة على نفسها، كان بمثابة ضمان لاستقرار أطول. وليس خير من ابن ولي عهد ليبيا، الأمير محمد الحسن الرضا، ابن الطرابلسية والبرقاوي، من شخصية تجمع في قبضتها سلطة المنصب الأعلى، فيما ينتخب البرلمان بشكل مباشر من الأمة، ونفرغ أخيرا للنظر في مشكلة التعليم، الأخطر في نظري، من أزمات التضخم أو البطالة.