Atwasat

حتى لا تُدق الأقدام

محمد عقيلة العمامي الإثنين 08 فبراير 2021, 09:40 صباحا
محمد عقيلة العمامي

إليزابيث هيد فيتر (1904-1972) كاتبة أمريكية، كتبت في بداياتها تحت اسم مستعار وهو (حنا ليز) من اهتماماتها العلاقات الإنسانية. ومنذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى السبعينيات كتبت القصة القصيرة والروايات، والعديد من المقالات لعدد من المجلات حول موضوعات الصحة العقلية والطب ومشاكل الحياة الزوجية والسفر والطبيعة والأمراض الاجتماعية. كتابها الأكثر رواجا هو: "ساعدي زوجك على البقاء حيا" صدر سنة (1957) ومازال يُسوق حتى الآن. ولعل ذلك نتيجة تجربتها المبكرة في الحياة، فحتى 26 أغسطس 1920 لم تنل المرأة في أمريكا حق التصويت، وحتى بعدما نالته ظلت طويلا تحت سلطة الرجل، ولم تتحرر تماما من هذه السلطة إلاّ سنة 1940، وقد يكون ذلك هو السبب الرئيسي في كتاباتها تحت اسم مستعار.

فهمتُ، للوهلة الأولى، من عنوان كتابها أنه لمساعدة "الزوج في البقاء حيا" وأيضا لاستمرار الزواج، ولكنني وجدت أنه أعد ليساعد الزوجة في التعامل مع زوجها لتجعله حيا بالفعل! وبالتأكيد هذا لصالحها، فليس هناك زواج من دون بقاء الزوج زوجا، وليس هناك زوجة من دون زوج حي بالمعني العملي للحياة!

ولقد لفت انتباهي أن نصائحها، قد تساعد بالتأكيد أية زوجه ليبية، أو عربية في صمود زواجها أمام مسببات انهياره، لأن الزوج العربي في تقديري غير قابل للانهيار لأسباب كثيرة أقواها السلطة الذكورية، التي استمدت قوتها من "قوامة الرجال على النساء" ولعل أبشع هذه القوامة، الرؤية الخاطئة للطلاق، فمازال هناك آباء يدقون أقدامهم في الأرض ويعلنون: "أن مشوار البنت من بيت الزوجية إلى القبر مباشرة!". وبالطبع من العبث أن تقنع صاحب هذه النظرية التي لا علاقة لها، على الإطلاق، بالدين؛ بغير ما نقش في دماغه! ولذلك رأيت في هذا الكتاب تفسيرات ونصائح تخدم الزوجة قبل الزواج، وبالتالي لا تمنح فرصة لتلك العقول المنغلقة، التي ترفض ما أقره ديننا، وما خلقنا الله به من حرية الانتقاء والحياة، وأيضا يخدم تلك التي لا تملك كيف تتقي مغبات دق الأقدام. فدعونا نرى سويا رؤية الكاتبة ليظل الزوج، وبالتأكيد الزوجة أيضا، على قيد الحياة.

تقول الكاتبة: إن الطفل يكون في أحسن صحته البدنية والنفسية، عندما يشب على حب أمه له، فيبدع ويتميز ويتفوق، وبالطبع الحب هنا لا يعني الدلال المفرط. وبسبب هذا الحب يستمر طوال حياته يتنفس من خلاله، فتمضي حياته مفعمة بالهناء والامتنان والثقة، ولا ترتبط بالجانب الجنسي فقط. الرجل يتطلع إلى حب دافئ، كالذي ناله من أمه، ويكون في أحسن حالته، إذ إن ما يلزمه ليظل كذلك هو اكتمال صفات الرجولة، مع الجاذبية البدنية، والكثير من الحب، وليس الجنس، لأنه باختصار شديد يتحقق بقدر ما يناله من حب واهتمام، والسبب هو تكوينه من ولادته ومراحل طفولته حتى صباه، بما تغدقه عليه أمه من عطف وحنان ومحبة.

تقول الكاتبة أن لسيدة تعرفها ابنا يحبها حبا عميقا، وإن كان تبعده عنها، أحيانا، مشاغلة الدراسية، ولعبه، واهتماماته. تقول هذا السيدة، أنه خلال المرحلة الإعدادية، مع بداية بلوغه جاءها يوما من المدرسة حزينا، ولما حاولت أن تعرف سبب حزنه أخبرها ألاّ تقلق وقال لها: "كنت حزينا وأردت المجيء إليك" ولم يقترب منها، وإنما ظل ينظر إليها في برود واكتئاب، متطلعا إلى أن تعرف هي، كعادتها، ماذا يريد؟ ونقلت الكاتبة عن هذه السيدة، التي انتبهت إلى أن ابنها يريد من يحنو عليه، ولكن ليست هي! فضحكت، وقالت لها: "إن الشخص الوحيد الذي يمكن أن يعطيه ما يريد، في الحالة التي جاءني بها، هي الزوجة، إن وجدها ومنحته هذا الحب البعيد عن الجوانب البيولوجية، سوف يعود سعيدا كطفل! ولكن يتعين أن توازن بين الحب الأموي وبين التقتير فيه".

والحب، لا يثمر إن ضُيق الخناق عليه، بمعنى أنه إن أحس أنها لا تريده أن يخرج إلى مقهى، أو ناد، أو لرفقة أصدقاء في رحلة أو سهرة. ولكن إن ودعته بابتسامة فإنه سيعود أكثر حبا لها.
إن إبعاد سبل الحصار عن الأزواج، ومنحهم حرية الحركة، تعود بالتأكيد على زوجاتهم بالهناء والراحة. خصوصا إن عرفنا أن الرغبة الجنسية بين الطرفين مد وجزر، وأيضا الانتباه إلى اختلاف القدرات في التعبير عن هذا الحب.

ولعل حصار الزوجة لتحركات زوجها تشبه إلى حد كبير ذلك "القمع" الذي تقوم الدولة، أليست المرأة هي "الحكومة" كما يصطلح على ذلك الكثير من الأزواج؟ وما ينتج عن القمع إلاّ الانفجار والتطلع إلى الحرية التي قد تأتي بنتائج عكسية، وتنتهي بما لا تحمد عقباه، و"تجي على خشمه أو خشمها، أو خشميهما معا"!