Atwasat

موت الطابق السابع

نورالدين خليفة النمر الأحد 07 فبراير 2021, 11:05 صباحا
نورالدين خليفة النمر

البيان رقم (6) الذي صدر في طرابلس في 24 .10 .2020 عن تحالف القوى الوطنية وصفت الصحيفة الناقلة له، التحالف بالحزب الحائز على أعلى نسبة تصويت في انتخابات 2012 . مبرزة التشديد باسم رئيسه على عدم وجود أي ممثل رسمي له على طاولة الحوارات بالمنتدى السياسي الليبي، التي بدأت برعاية أممية في تونس وتنقلت عبر بلدان أخرى لتتوج حواراتها في جنيف باختيار مجلس رئاسي وحكومة جديدة لتسيير مرحلة سياسية مؤقتة لتحضير البلاد لانتخابات مزمع عقدها في 24 ديسمبر 2021.

اللافت في البيان السالف كشفه استبدال مقعد رئيس التحالف الراحل، الذي كان مشاركاً في الجلسات التي سبقت، بشخصية اجتماعية من قبيلته. وهو ما اعتبره البيان خطأً من قبل البعثة الأممية في ليبيا بعدم توّخيها معايير واضحة ومحددة للاختيار، وارتهانها لرغبة أطراف ليبية قد تكون مدعومة من أطراف خارجية لإقصاء كل من ينادي بالتوافق على مشروع وطني ليبي كأولوية، ضاربين بعرض الحائط ما وصفه البيان حقيقة أن الرئيس السابق كان مؤسساً لحزب سياسي يحوي كل المكونات والمناطق الليبية ولم يكن يوماً يمثل قبيلة أو منطقة معينة.

من تابع السيرة الذاتية منذ عام 2011 إلى 2020 للرئيس الراحل لمسمى حزب تحالف القوى الوطنية الليبي، يتأكد بأن موته المُريب ضحية سياسية أولى بفيروس كوفيد-19 ، ما كان يدور بخلده على الاطلاق. فكما ذكر نائبه الذي انفصل عن الحزب بعد أن حقق به مآربه! في مداخلة تلفزية يوم الوفاة لقناة الوسط أن رئيسه الراحل ذهب للكشف عن نفسه إثر ارتفاع خفيف في درجة حرارته، لينتهي به مصيره إلى مآل جيوفاني كورتي بطل أقصوصة الكاتب الإيطالي دينو بوتزاتي الكافكاوية "سبعُ طوابق".

سنُخرج الحدث السياسي المحزن من استرابة الموت، بجملة عالم الاقتصاد الإنجليزي ت. ر. مالتوس. في تصحيح الأقتصاد السياسي فنتجاوز مجالها العلمي، إلى مجال السياسة المبتذلة التي تخوض في نفقها ليبيا الثورية منذ عام 2011 بإعلان التحرير الليبي من ربقة الدكتاتورية إلى اليوم، حيث تقام الترشيحات لسلطة مؤقتة حتى موعد انتخابات برلمانية في 24 ديسمبر 2021 بدون الأحزاب الليبية التي لا أحد سأل عن غيابها. وهذا مايدفعنا إلى أن نتأمل في موت بوباء كورونا رئيس ما تسمى لظروف انتخابية عشوائية بحزب تحالف القوى الوطنية. فنعلم حصافة رأي مالتوس بأن ماهو حزب سياسي متمثلاً في شخص مؤسسه، الزائد على وليمة السياسة تأمره طبيعتها بالمغادرة فينتهي وهمه الذي استلّته منه المعطيات غير الليبية التي صنعته في 2014 لحساب الدكتاتور العسكري. لتبدأ الحقيقة القاسية متجليّة في أوهام أتباعه أعضاء الحزب الحالمين باستمراره برئاسة جديدة تكرّر سابقتها تكرار دقيق الطاحون.

لقد أوقف الامتداد الكاسح لوباء كورونا العالم العولمي على عَتَبة باب النظرية الاقتصاد ـ سياسية التي تعدّدت تسمياتها ـ وأدّقها ـ "تصحيح مالتوس" نسبة إلى عالم الاقتصاد الإنجليزي الشهير، الذي ألف كتابه "مبادئ الاقتصاد السياسي" ليُشهره كتابه الذي يعنينا "البحث في مبدأ السكان" الذي رصد فيه بحصافة مدى اختلال نمط العيش الإنساني في ظل تفاوت كبير بين معدلات الإنتاج وعدد السكان. ممّا يؤدي إلى حتمية الفقر المدقع، والخلاّق للمظالم الاجتماعية. في تقدير مالتوس يحصل التوازن بأثر تفشيّ الأوبئة أو ظهور المجاعات أو الانتكاب بالكوارث الطبيعيّة التي تؤدي إلى الإنقاص من الزخم البشري وعودة النظام الطبيعي للأشياء. درسنا عام 1976 ـ 1977 النظرية المالتوسية في مادة فلسفة الأخلاق بكلية آداب بنغازي. فلم نستسغها، بله نتعقلّها بأن تبرّر المشاكل الاقتصادية الإبادة الجماعية، فتكون دافعا لمثل ما اقترفه وباء كورونا لسحق فئة اجتماعية يمثل معظمها كبارالسن وأغلبهم عانوا أمراضاً مزمنة؟ وصرخنا بملء أرواحنا الشابة: أيّ عدالة هذه التي تُبيح تقدّم البشرية بمحق جزءٍ من البشرية نفسها؟. فمالتوس يكتب في مؤلفه الثاني بواقعية رّبان سفينة إنجليزي مجّتها وقتها رومنطقيتنا: "أنَّ الرجل (الإنسان) الذي ليس له من يُعيله ولا يستطيع أن يجد عملاً في المجتمع، سوف يجد أن ليس له نصيب من الغذاء على أرضه، وبالتالي فهو عضو زائد في وليمة الطبيعة، حيث لا صحن له بين الصحون. وعليه فإنَّ الطبيعة تأمره بمغادرة الزمن".

ما أتعسني حقيقة في مقالات التأبين بالمناسبة، تجاوزها، كعادتها الليبية، المعقول الواقعي، إلى الخيال الوهمي. فافترضت تياراً وطنياً مدنياً في ليبيا، مثلته الرئاسة الراحلة لحزب تحالف القوى الوطنية، وأهابت بالتيار أن يكون وريثاً للحزب الأرمل كونه جسماً سياسياً قائماً. ولكن المقالات لم تحدّد لنا أسس قيامته. هل في استوديوهات القنوات التلفزية منابر الكلام المتحذلق عبر طاحونة الشئ المُعتاد عن ليبيا التي لاتعرفهم ولا يعرفونها. أم في غابة الفوضى الليبية؟ مسكن مجتمعها الوحشي بالتعبير الخلدوني الذي يتكدس فيه السلاح المنفلت من شرعية استخذامه بالقانون وتتغول فيه الميليشيات المسلحة بكل ضروبها الزعامية والمؤدجلة إرهاباً دينيا والحرابية المجرمة. أم في فنادق النجوم الست في بلدان الإقليم الضالعة في خراب ليبيا؛ أم في الدرجات الأولي في رحلات الطيران إلى العواصم الأوروبية التي تصدّق لغاياتها ومصالحها الأوهام التي التقط منها رئيس حزب التحالف فيروس الوباء القاتل فتنقلب الغاية من إنشاء الحزب السياسي بتهذيبه وتمدينه بالديمقراطية والتداول على منصب الرئاسة إلى تحنيط الزعامة لكي تستمر عدم حقيقة الحزب واصطناعيته.

الذين مازالوا يعتقدون بأن تياراً وطنياً مدنياً في ليبيا، مثلته الرئاسة الراحلة لحزب تحالف القوى الوطنية، سيجرون المقال ربما إلى فرضية تأكيده على الحقيقة الحزبية للتيار الذي دخل معركة انتخابات المؤتمر الوطني 2012 باسم الإسلام. ولكن هذا التيار بعد 2014 لم يُعد تياراً حزبياً وأن افتعل حزباً أسماه بـ "العدالة والبناء" رجحه أعضاؤه لانتخابات المؤتمر الوطني المتقدمون كمستقلين ليكون حزباً ثانيا، ومنافساً سياسياً لما صنفه بالتيار العلماني، وأن أحداث فجر ليبيا الدامية، التي تتوجت بأحداث العدوان على العاصمة طرابلس 2020 أحالته من تيار سياسي مصطنع إلى ميليشيات مسلحة مضادة لميليشيات مسمى الجيش الليبي.

من تصفح سريع لأسماء لجنة الحوار السياسي، نلحظ في القائمة ممثلين للتيار الإسلاموي نائب رئيس مسمى حزب العدالة والبناء وقيادي كتيبة قسورة في أحداث فجر ليبيا 2014 الدامية. بينما مثل مسمى حزب التحالف شخصية اجتماعية من قبيلة رئيسه الذي أصابه وباء كورنا في مقتل.