Atwasat

الطرح اللاهوتي لمسألة فصل الدين عن الدولة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 31 يناير 2021, 11:43 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

ينطلق محمد خليفة في مقاله الذي نشر على حلقتين في "بوابة الوسط"* والذي اختار له عنوان "الفصل بين الدين والدنيا" من مقدمة لاهوتية [كلامية] حيث يقول:"الفصل بين الدين والدنيا" معروف عند المسلمين وعند غير المسلمين (الأوربيين)، غير أن المسلمين يعالجون هذا الفصل بفعالية لا توجد عند غيرهم للسبب التالي: الفصل بين الدين والدنيا، عند المسلمين، يتم في فضاء ليس فيه إله إلا الله؛ ويتم عند غير المسلمين في فضاء متعدد الآلهة. ومن هنا كان الاختلاف، والبون الشاسع، بين المسلمين وغير المسلمين على مستويي النظر والممارسة، الدينية والدنيوية.

وموضوعة الإله الواحد عند المسلمين وتعدد الآلهة عند الأوربيين موضوعة يصر عليها محمد خليفة بإلحاح ويحشد لها كل عتاده المعرفي والثقافي ليبرهن عليها. الانطلاق من هذه المقدمة يخرج بطرح محمد خليفة من الموضوع السياسي بامتياز، الذي هو الفصل بين الدين والدولة، إلى، كما أشرنا، دنيا اللاهوت.

يريد محمد خليفة أن يقنعنا بأن الفكر الأوربي والممارسة السياسية الأوربية ما انفكت تتحرك في "فضاء تعدد الآلهة"، أو في فضاء وثني. متناسيا أن أوروبا خرجت من مناخ الوثنية على الأقل منذ القرن الثالث الميلادي، أي قبل أن يخرج منه العرب ويصيروا مسلمين بحوالي ثلاثة قرون.

لكن النقطة التي أود التركيز عليها هنا هي أن محمد خليفة ينتهج في البرهنة على فكرته هذه منهجا ظاهريا، على خطى أبي داود الظاهري، ثم ابن حزم. وهو لاينتهجه في الفقه، وإنما في استخدام نصوص الفلاسفة والمفكرين الأوربيين.

فهو يستدل بهيجل الذي يقول أن الدولة أصبحت إلها، وبنيتشه الذي يصفها أنها تحولت إلى صنم، أو وثن. ويعتمد هذا التعبير بمدلوله الحرفي، في حين أنه تصوير، أو تعبير، مجازي، مثله مثل غيره من التعابير المجازية. فعندما نصف النجوم بأنها مصابيح سماوية، فهذا تعبير مجازي، ذلك أن المصابيح تنتمي إلى عالم المصنوعات، والنجوم تنتمي إلى عالم الأجرام الطبيعية الفلكية، لكن العلاقة المجازية تتمثل في علاقة الاثنين بالإضاءة والتنوير. وعندما نقول "النسيج الاجتماعي" فهو مجرد تعبير مجازي، ذلك أن المجتمع ليس قماشا، والمجاز يكمن هنا في أن القماش شبكة علاقات بين خيوط، والمجتمع شبكة علاقات بين بشر أفرادا وجماعات. وعندما قال محمد الفيتوري في قصيدته الشهيرة عن أفريقيا "قد صار الشعب إلها" فهذا تعبير مجازي يشير إلى أن الشعب صار سيد نفسه ولا يعني أنه أصبح يعبد نفسه!. وأيضا عندما استخدم ماركس تعبير "وثنية السلعة" كان يعبر عن أن السلعة في المجتمع الرأسمالي أصبحت تتحكم في حياة البشر وأصبحوا يلهثون للحصول عليها، وليس أنهم أصبحوا يعبدونها. وتعبيرا هيجل ونيتشه اللذين يستند إليهما محمد خليفة يأتيان في إطار الاحتجاج على تغول الدولة وتحولها إلى سلطة حاكمة وكإنها إله لا راد لحكمه.

لكن معروف أن سلطة الدولة قد ضعفت منذ ترسخ الديموقراطية، بالذات بعد الحرب العالمية الثانية، وأصبحت الدولة ينظر إليها كإدارة لشؤون المجتمع مقيدة بقانون، وتراجعت سلطتها التنفيذية أمام السلطتين التشريعية والقضائية. أي أنها أصبحت خاضعة للرقابة الشعبية المتمثلة في البرلمان ومؤسسات المجتمع المدني وتخضع لسلطة القضاء. لم تعد إلها أو صنما حتى بالمعنى المجازي.

لكن ماذا يستفيد محمد خليفة من القول باستدامة فكرة وممارسة تعدد الآلهة في الفضاء الأوربي من خلال تفسير تعبيرين مجازيين متعلقين بأولوهية الدولة أو صنميتها تفسيرا حرفيا ظاهريا؟.

أعتقد أن محمد خليفة يستهدف من هذا تكفير مبدئي العلمانية والديموقراطية المتعلقين بفصل الدين عن الدولة، في أوروبا، وبالتالي تكفير العلمانيين والديموقراطيين في دار الإسلام.