Atwasat

ما لا يقال..عداء البذرة!

عبدالواحد حركات الأربعاء 27 يناير 2021, 11:55 صباحا
عبدالواحد حركات

ضربتنا موجة البغض واستوطننا الفراغ شُردت آمالنا وسكنت الغياب ومرغمين مكرهين احترفنا السخط ..!
رداً على سؤال الأستاذ الكاتب عمر أبوالقاسم الككلي في مقالته المعنونة " نقد أم سخط؟"، والذي يقول فيه .. "لماذا هذا السخط الوحيد الجانب الذي صبه على الأنظمة القومية العربية، غاضا الطرف عن الأنظمة الأخرى؟. هل الأنظمة الأخرى أفلحت في إنجاز شيء مما يطمح إليه عبد الواحد حركات؟".

بادئ ذي بدء الحق أقول وأطيل.. إنه سخط يا عمر وليس نقداً..!.
لازلت أعرف كيف أكون ساخطًا، وأعتقد أنه لم يعد هنالك شيء يفعله الليبيون سوى السخط، عسى أن يحقق سخطهم فائدة للصالح العام، وأن لا يتركوا فرصة لرباعي السلطويين والساسة وصناع القرار والشعبويين لتوجيه سخط الجموع لأشياء صغيرة واصطناع قضايا ورزايا مناطقية، بدل أن يكون موجهاً ومركزاً على أعمالهم وسياساتهم الفاشلة وشخوصهم غير المؤهلة وفراغية مشروعيته وكسبهم اللامشروع وجودهم اللامنتهي..!.

أجزم .. لليبيين حق مقدس في أن يكونوا ساخطين لأبعد حد، فالسخط هو وخز الضمير ونداءاته وصراخه المبحوح والمجروح لرفض اللامبالاة وعدم قبول الأشخاص والأشياء والأشكال السلبية التي أجبر الليبيون على قبولها والخضوع لها وتداولها دون فائدة، فامتهان وإتقان السخط أصبح ضرورة قصوى أمام انحطاط الكفاءة وتعاظم نسب الفساد والفضائح التي تولد في الدهاليز شهريا، والفظاعة التي نبتلى بها كل يوم..!.
كيف لا يكون السخط حالة ذهنية وانهماما "ممارسة الهم بوعي" دائم أمام العبث والفساد..!؟.

إن إدراكنا للأشياء التي بتنا مقيدين بها يولد السخط، ويجعله شعورا جماعيا ليس عابراً كما يفترض منطقيا، بل مقيماً بنظام مساكنة طويلة، وليس ارتفاعا مؤقتا لحالة غضب، بل هو استمرار وتدفق وانبثاق وتفجر مستمر لها، وإحساس مهيمن له دواعٍ ومبررات بصرية واقعية معاشة ومحسوسة بعمق فصيح..!.

السخط يتفجر لا إرادياً من واقع ترملت فيه مئات الليبيات وتيتم فيه آلاف الأطفال واحترقت قلوب أمهات، وينبعث من مشاهد دفن جثث آلاف الشباب المؤهلين على مر سنين، ويولد من هدم البيوت وإسقاط المآذن وهدر الثروات، من تبذير أرصدة الوطن في شراء الأسلحة والمركبات والألغام، بدل أن توضع في التنمية والتطوير والإصلاح والتعمير والعلاج والتعليم، من الاختلاسات في السفارات والمصارف والإدارات، ومن إبعاد الكفاءات وتكليف الولاءات، ومن نجوعية المؤسسات وقبلية السفارات، ومن عشائرية تتعملق على حساب الوطن وعنصرية تنمو لتسد شرايين المستقبل..!.
باختصار.. أن تكون ساخطاً هو التمثيل الديكارتي الأجدى والأمثل في زمن اللايقين والتباعد والسراق..!.

عود على بدء للرد على سؤال الأستاذ عمر أبوالقاسم الككلي، أبين أن تنوع الآراء وتناقضها أحياناً كثيرة لا يستوجب بالضرورة صدامها وتنافسها، ووجود مساحات ومنابر لنشر الحوار وإدارته لغايات تخدم الصالح العام وتنير درب الوطن والجموع له جدوى فكرية بلا ريب.

صراحة .. لا أؤمن بوجود قومية عربية حتى أؤمن بوجود أنظمة قومية عربية، وقد انتقيت عمداً كلمة عروبية لأدل بها على نمط فكري ثقافي، جعله سلطويو موسم الجمهوريات في المنطقة فكراً سياسياً واتجاهاً مجتمعياً، ولنتذكر أن كل ما صبغ بطلاء العروبية نتاج لخارطة سياسية رسم خطوطها الأوروبيون، واشتقت ثوراتها وشعاراتها من الثورة الفرنسية، وحتى راياتها صممت وفق رؤية ونموذج البريطاني مارك سايكس.

بلا شك أفلحت الأنظمة الأخرى في إنجاز الكثير، ويكفي أن أغلب تلك الأنظمة قادرة على إدارة مجتمعاتها لغايات واضحة، سواء كانت رفاهية السويد أو تقشف اليونان، ويكفي أنها أتاحت الفرصة لمفكريها ونخبها ونجومها للتأثير والقيادة الاجتماعية، مما دفع أنظمتنا المتلصصة على تقدير القيم إلى تكريم وتوسيم أؤلئك المفكرين والنجوم في أوان غفلتها عن مفكريها، ويكفينا برهاناً ودليلاً أن كل ما أصبح حقيقة الحياة وجوهرها ومعنى الرفاهية فيها هو نتاج أفكارهم وأيديهم ومؤسساتهم وشركاتهم.

الحقيقة أن الإنسانية تعيش هنالك وتقتل في مجتمعاتنا مئة مرة باليوم الواحد، وهل هنالك فشل أكثر من تكرار قتل الإنسان وهدره بمباركة الأنظمة والجموع، ولنعترف بحقائق مؤلمة ومبكية، ولكنها واقعية، أوطاننا -أنظمة وشعوباً- لا تفرق بين البحر والزنزانة، والأدهى أنهم اتفقوا على معاداة من يفرق أو يتورط في عشق البحر بدل الزنزانة، فالتراب والهواء والماء أعداء للبذرة.
يا صديقي.. لا تزرع البذرة الطيبة بالأرض السبخة!.