Atwasat

تأثير النزاعات على واقع المرأة في ليبيا: قراءة أولية (3- 3)

عبير أمنينة الخميس 21 يناير 2021, 10:30 صباحا
عبير أمنينة

إذا كان هذا حال القطاع بشكل عام، فإن الخدمات المضاعفة المطلوبة منه في مدن الحرب لم يتم الاضطلاع بها قطعاً، حيث كان لدخول مدينة بنغازي 2014-2017 في الحرب، سبب رئيسي في تعطل العديد من المستشفيات وتوقفها عن العمل إثر المواجهات المسلحة التي بدأت يوم الجمعة 16 مايو 2014، وتسببت في توقف ثمانية (8) من أصل أحد عشر (11) مستشفى و مركزا طبيا متخصصا في مدينة بنغازي، إما بتعرضها للقصف المباشر أو بوقوعها في مناطق مواجهات، منها مستشفى الأمراض النفسية الذي أخلي بالكامل شهر نوفمبر 2014. وقد نتج عن طول أمد المواجهات نقص حاد في الأدوية والمستلزمات الطبية ومغادرة الكوادر الطبية وطواقم التمريض الأجنبي التي كانت تزيد عن 70% من إجمالي العمالة الطبية خوفاً على حياتها في ليبيا، مما أثر على الخدمات المتوقعة من قبل القطاع الصحي بصورة كبيرة.

الأمر ذاته ينطبق على طرابلس حيث تشير التقديرات إلى أن ما يقارب نصف المرافق الصحية في ثلاث بلديات (بوسليم، عين زارة وتاجوراء)وقعت في نطاق الاشتباكات، حيث تم إجبار 12 منشأة صحية على الإغلاق..

أيضاً كان لعدم تخصيص موارد مالية كافية للقطاع الصحي، سيما مع انتشار جائحة كوفيد 19، ناهيك عن الفساد المستشري في القطاع الصحي وتعدد لجان مكافحة فيروس كورونا، تأثير واضح وفادح على الخدمات المقدمة، خاصة للنساء، حيث تميزت بالرداءة والضعف، رغم ندرتها، مما انعكس على مستوى الخدمات.

المرأة في النشاط المدني:
دفعت العديد من الناشطات في مجال التوعية بحقوق الإنسان والمناديات بإرساء الدولة المدنية حياتهن ثمناً لمواقف داعمة للمؤسسات وإرساء دولة القانون والحقوق. نذكر في هذا السياق الحقوقية سلوى بوقعيقيص، والنائبة فريحة البركاوي، والصحفية نصيب كرنافة، والحقوقية انتصار الحصائري والسيدة فهيمة الشريف، وأخيراً حنان البرعصي وغيرهن من اللائي شاركن في الحراك المدني سيما في المظاهرات والاعتصامات العامة. ولقد دفع هذا الازدياد النسبي لمعدلات القتل والتهديد لنشطاء المجتمع المدني بالكثير من الناشطات في مجال الحقوق والحريات والإعلام إلى الانزواء جانباً حفاظاً على حياتهن، أو ترك البلاد نتاج تهديدات موجهة اليهن، أو إلى أحد أفراد عائلتهن نتاج مواقف سياسية متبناة لا تتماشى مع توجه إحدى الجماعات المسيطرة على ترسانة سلاح، خاصة وأن الإخفاء القسري لحق حتى بالبرلمانيات حيث ظل مصير النائبة سهام سرقيوة مجهولاً حتى تاريخه.

​من جانب آخر لا يمكن إغفال نوع آخر من العنف وهو الناجم عن السلطة وقراراتها في الحد من حرية النساء خاصة الناشطات في العمل المدني وسفرهن خارج البلاد، حيث منع الحاكم العسكري درنة بن جواد بموجب القرار رقم (6) لسنة 2017 سفر المرأة دون محرم، الأمر الذي اعتبر انتهاكاً لحقوق الإنسان عامة والنساء بشكل خاص، سيما وأن الإعلان الدستوري المؤقت ينص في مادته السابعة على صون الدولة لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية، ويؤكد في المادة (14) على ضمان حرية التنقل.

ولقد استبدل هذا القرار نتاج رفض عارم من المنظمات النسوية، بإصدار القرار (7) لسنة 2017م والقاضي بإلغاء شرط المرافق ولكن مع إلزامية الموافقة الأمنية المسبقة لسفر الليبيين والليبيات من الفئات العمرية (18إلى 45 عاماً)، وهو قرار لا يقل كبتاً للحرية عن سابقه حيث انتهاك المبادئ الدستورية ذاتها مقابل دواعي الأمن القومي ذاتها .
ولقد تم أيضا في هذا السياق الاعتداء على الفضاءات التي تتواجد فيهن النساء شرق البلاد وغربها من خلال مداهمة المقاهي التي يرتادهن، بحجة منع الاختلاط بين الجنسين.

الإطار التشريعي لحماية المرأة في زمن الحرب
إن استهداف المرأة كموضوع استغلال جنسي وعنف طيلة السنوات التي واكبت تشرذم مؤسسات الدولة، كان دافعاً لحراك بعض منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان عامة والنساء خاصة، فتم تقديم مشروع لقانون حول المعنفات والمغتصبات إلى المؤتمر الوطني العام (2012-2014)، إلا أنه رُفِض بحجة الخوف من فتح الباب على مصراعيه أمام "المنحرفات " كمدخل للاستفادة من المزايا التي يوفرها القانون لمغتصبات الحرب. كما تم تقديم مشروع قانون لحماية المرأة من العنف إلى مجلس النواب من قبل منظمات المجتمع المدني النسوية، إلا أنه ووجه بكثير من الانتقادات، ولم تتم إعادة النظر فيه من حينها.

وقد صدر القانون رقم (71) لسنة 2011 بشأن المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وأيضاً القانون (29) لسنة 2013 بشأن العدالة الانتقالية، الذي ركز على النساء في كثير من نصوصه وعدل أكثر من مرة، إلا إنه لم يتم العمل به حتى تاريخه. عدا ذلك ما هو سارٍ من مواد قانونية تحمي المرأة من العنف لا يتجاوز ما تضمنه قانون العقوبات من مواد، هي في كثير منها، تعد تجسيداً بيناً للعنف.

ولقد تم في سبتمبر 2016 إنشاء وحدة دعم وتمكين المرأة تنفيذاً للمادة (11) من الاتفاق السياسي، تُعنى بتمكين المرأة اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً، ولكن لم يكن لها تأثير يذكر في مجال حماية المرأة، حيث لم يتم حتى تاريخه وضع أي خطة تنفيذية لتفعيل القرار 1325 بخصوص المرأة في السلام والنزاع.

إن غياب سلطة مركزية موحدة ومؤسسات أمنية قادرة على فرض سيطرتها على كل ليبيا، فضلاً عن عدم وجود خطة استراتيجية وطنية لجمع سلاح الميليشيهات، وتجاهل إرساء آليات وطنية تقوم بتبني منهجية متعددة الأبعاد لوضع استراتيجية خاصة بحماية المرأة أثناء النزاعات، وتفعيل مشاركتها في كل دوائر صنع القرار، سيما ذات العلاقة بمفاوضات السلام، أدى إلى استمرار حالة العنف المجتمعي وخاصة الممارس ضد المرأة في الفضاء العام والخاص، مما يتطلب العمل حثيثاً على إرساء شراكة بين منظمات المجتمع المدني والسلطتين التشريعية والتنفيذية، للدفع نحو تعديل القوانين المشبعة تمييزاً ضد المرأة، والعمل على الدفع بقانون واقعي لحماية المرأة من العنف الممارس ضدها، فضلاً عن متابعة الإجراءات التنفيذية التي عادة ما يتم تعطيلها سواء بفعل الإجراءات البيروقراطية المطولة أو بنية مسبقة.