Atwasat

هل دعمت دول عربية فوضى ترامب؟

حمدي الحسيني الإثنين 18 يناير 2021, 08:36 صباحا
حمدي الحسيني

ما بين أربعاء اقتحام أنصار الرئيس الأميركي دونالد ترامب مبنى الكونغرس، في السادس من يناير، وأربعاء تنصيب جون بايدن في العشرين من نفس الشهر، جرت مياه كثيرة في بحر السياسة الأميركية، أكبر قوة سياسية واقتصادية في العالم حاليًا، وتغيرت أمور كثيرة، أبرزها موت ترامب سياسيًّا، بعد أن أصبح الرئيس الوحيد في التاريخ الأميركي الذي تعرَّض لمحاكمة نواب الشعب مرتين، وهو ما سيترتب عليه، حرمانه من حق الترشح للرئاسة في العام 2024، كما كان ينوي، إلى جانب منعه من تولي أي مناصب حكومية أو محلية في المستقبل.

بينما كان العالم مصابًا بالدهشة تحت وقع صدمة اقتحام أنصار ترامب مبنى الكونغرس، وتوالي البيانات الرسمية من مختلف العواصم حول الأحداث، كان الصمت يطبق على الجهات الرسمية العربية، التي لم تتفاعل مع هذا الحدث الفارق، بل ظهرت أصوات إعلامية في عواصم عربية عديدة، بعضها يكيل الشماتة للأميركان على ما يجرى في واشنطن، بينما بررت أصوات أخرى للمقتحمين سلوكهم المشين.

أغلب الظن أن الصمت العربي الرسمي عن أحداث واشنطن، كان سببه الانتظار حتى تتبلور نتائجه السياسية، وهل يصب في مصلحة رئيسهم المفضل ترامب، أم أن الانقلاب سيفشل وتستثمره الإدارة الجديدة؟.

فقد شهدت سنوات ترامب الأربع صعودًا لقوى سياسية خليجية، لم تكن تحلم بأن يكون لها هذا النفوذ السياسي الواسع من المحيط إلى الخليج، وشهدت المنطقة تطورات غاية في الخطورة، صبت معظمها في صالح المحتل الإسرائيلي الذي تحول بفضل سياسة ترامب وحلفائه الخليجيين من العدو الأساسي للعرب إلى حليف استراتيجي، يمكن الاعتماد عليه في مواجهة الأخطار الخارجية المحتملة، سواء من الجار الفارسي المتربص في الشرق، أو من الخصم التركي المترقب في الشمال.

كان لترامب دور أساسي وفعال للغاية في تنفيذ ذلك التحول الجذري الذي شهدته دول الخليج مؤخرًا، وكانت بصماته واضحة بجلاء في إعادة ترتيب الخصوم والأعداء الذي قادته دويلات خليجية، وشجعته بل وتبنته إدارته بحماس، مما دفع تلك الدول إلى الرهان على فوزه بفترة رئاسية ثانية، لاستكمال ما بدأه من تحول في مسار ومصير تلك المنطقة المضطربة سياسيًّا منذ أن فشلت ثورات الربيع العربي في جلب الديمقراطية والتغيير المنشود.

لذلك ربما جاءت المصالحة الخليجية المتعجلة، دليلًا على الارتباك الذي أصاب العديد من قادة تلك العواصم التي سعت، من خلال هذه الخطوة الاستباقية، إلى ضرب عصفورين بحجر واحد، الأول استجابة ومجاملة لإدارة ترامب، لتضعها ضمن برنامج إنجازاتها، والثاني عربون على الاستعداد والجاهزية للعمل مع الإدارة الجديدة على أرضية سياسية مختلفة.

لكن المهم أن إدارة بايدن الجديدة، لن تغفر لأنظمة عربية عديدة مساعيها تقديم الدعم لجماعات وتنظيمات ناصرت ترامب في محاولة انقلابه على الديمقراطية الأميركية العريقة، على الرغم من أن أغلب ذلك الدعم، تم في إطار ما يسمح به القانون الأميركي، لكن لن تنسى الإدارة الديمقراطية أن هذا الدعم، ضاعف من انقسام الأميركيين الذي انتهى بطريقة درامية لحظة اقتحام الكونغرس، ومحاولة تعطيل عملية إقرار الرئيس الفائز في الانتخابات الرئاسة.

الديمقراطيون يدركون جيدًا أن بعض العواصم العربية، كانت تأمل أن ينجح اقتحام مبنى الكابيتول، ويقلب نائب الرئيس مايك بنس الطاولة عبر رفضه الاعتراف بنتائج فوز بايدن، ثم يعلن ترامب حالة الطوارئ، وبذلك يضمن بقاءه رئيسًا لفترة جديدة كما سبق وأعلن ذلك وزير خارجيته وداعمه الرئيسي مايك بومبيو.

في ضوء ذلك خرجت تسريبات خجولة من جهاز المباحث الفيدرالي المعروف (FBI) بشأن معلومات حول دعم بعض دول الخليج منظمات أميركية متطرفة تبنت (الترامبية) أيديولوجية لها، وروجت لبقائه رئيسًا منقذًا للولايات المتحدة، وهو ما ألمحت إليه تصريحات بعض نواب الكونغرس بأن محاولة انقلاب ترامب على الدستور جرى دعمها من قوى داخلية وخارجية!

السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما موقف تلك الأنظمة إذا أثبتت التحقيقات دعمها لأنصار ترامب الفوضويين؟ وهل يتسامح الكونغرس، وإدارة بايدن مع هذا السلوك؟

المؤكد أن إدارة بايدن سوف تغرق خلال المائة يوم الأولى في مستنقعات سياسية آسنة وتركة ثقيلة خلفتها سياسة ترامب المتناقضة داخليًّا وخارجيًّا على مدار السنوات الأربع الماضية، كما ستكون عليها مسؤولية توحيد البيت الأميركي الداخلي المنقسم على نفسه، وهذه المهمة ربما تشغلها عن إعطاء الملفات الخارجية الاهتمام اللازم، خاصة أن بومبيو وترامب تعمدا خلال الأشهر الأخيرة خلط كافة الأوراق السياسية بقصد إدخال بايدن وفريق عمله في دوامات عديدة وأزمات معقدة.

إذا كانت المصالحة الخليجية خطوة مهمة لامتصاص جزء من غضب الكونغرس بحق بعض عواصم الخليج التي تبنت ودعمت أنصار ترامب، فهل تشهد الأيام المقبلة مبادرات خليجية أخرى لتلطيف الأجواء مع إدارة بايدن الجديدة؟