Atwasat

معركة واشنطن الأخيرة.. هل انتهت؟

جمعة بوكليب الخميس 14 يناير 2021, 04:32 صباحا
جمعة بوكليب

قبل أن يحدث ما حدث يوم 6 يناير 2021 في واشنطن، كانت النذر المحذرة بما سيتلو من كوارث قد بدأت في التبلور والتجمع كغيوم منذرة بعاصفة استثنائية. وعلى سبيل المثال، حين رفض المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة العام 2016 دونالد ترامب تقديم كشفٍ بما دفعه من ضرائب، في سابقة تاريخية، كان حقيقة يؤكد أن الالتزام بتطبيق النظم واللوائح والسوابق المعمول بها، لا تعنيه هو شخصياً، بل المقصود بها آخرون. وطوال السنوات الأربع الماضية كانت التحذيرات تتوارد، واحداً إثر آخر، منذرة بما سيحدث، ومكتوبة ببنط عريض على الجدران. وكان بمستطاع الجميع في واشنطن، وفي العالم الليبرالي الغربي، قراءتها. لكنهم عملوا بمبدأ «السكوت من ذهب». وحين تعرضت واشنطن لأهوال العاصفة، الأسبوع الماضي، أُصيب الجميع بالذهول وعدم التصديق أولاً، ثم بالخوف ثانياً على مصير الديمقراطية، ليس في أميركا فقط، بل في العالم.

ليس سهلاً ما حدث مؤخراً في واشنطن، بكافة المقاييس. وليس من المتاح نسيانه. ولم يكن عادياً ما تابعناه من مشاهد على القنوات التلفزية، ووسائل التواصل الاجتماعي. لكنه صار، الآن، تاريخاً موثقاً، وعلينا تحمل نتائجه، والتعلم من دروسه، وسد كل الثقوب والمنافذ، حتى لا يتكرر، وأمراً واقعاً، لا مفر من التسليم به، ومواجهة نتائجه، رغم أنه كاد يعصف بأركان أقدم ديمقراطية دستورية في العالم، ويفتح الأبواب مشرعة أمام عهود الاستبداد والطغيان للعودة، لكي تغرز رايتها في قلب الديمقراطية، وتحكم على أنصارها بالموت قتلاً أوبالنفي، كما فعل الجنرال فرانكو بأعدائه، غداة انتصاره عليهم نهائياً، في الحرب الأهلية الأسبانية العام 1939. أو كما فعل قبله موسوليني وهتلر في إيطاليا وألمانيا.

أكثر تلك النتائج وضوحاً أن أميركا التي عرفناها قبل وصول دونالد ترامب إلى الحكم أضحت بعده اثنتين، توحدهما الجغرافيا والكراهية. واحدة بثقافة وبرؤية تدعو إلى الانغلاق والعزلة لبناء أميركا عظمى من جديد، وعنصرية. وأخرى بثقافة وبرؤية ليبرالية، تدعو إلى الديمقراطية والانفتاح، وبناء جسور متينة مع بقية دول العالم وشعوبه من أجل ترسيخ السلام والتعاون دولياً.

ما يهم حقيقة، هو أن خسارة الرئيس دونالد ترامب وخروجه من الساحة، لاتعني تجاهل 75 مليون أميركي وقفوا وراءه داعمين، ومناصرين لسياساته، ولتوجهاته، ومازالوا موجودين وعلى استعداد كامل مستقبلاً لامتشاق السلاح والدفاع عما يمثله. وأن أميركا الليبرالية التي وقفت ضد ترامب وسوء تصرفاته ورعونة سلوكه، يتوجب عليها الآن التيقظ، ومراجعة الذات، وتعميق جذور الديمقراطية، بالتصدي، قولا وفعلا، لأعدائها ليس في أميركاً ممثلين في المتطرفين اليمنيين فحسب، بل في العالم، بدعمها ووقوفها إلى جانب أنصار الديمقراطية في بلدان العالم الأخرى، وخاصة في بلدين يتربصان بها طوال الوقت وهما روسيا والصين.

الرئيس ترامب لم يعد رئيساً منذ ظهور نتائج الانتخابات في شهر نوفمبر الماضي، وتحديداً منذ تصويت المجمع الانتخابي يوم 14 ديسمبر 2020. وفشلت جميع محاولاته أمام المحاكم في مختلف الولايات الأميركية لقلب النتائج. لكن أكاذيبه بتزوير الانتخابات، وبسرقة نتائجها لم تمت، ووجدت آذاناً صاغية تصدقها. وها هو الآن، وبعد كل ما فعل من تخريب، سيغادر البيت الأبيض محملاً بثقل أوزار ما أرتكبه بحق أقدم ديمقراطية دستورية في العالم. أضف إلى ذلك أنه سوف يترك وراءه أميركا تتقلب سياسياً فوق سطح صفيح ساخن لسنوات أخرى، وسيترك وراءه الحزب الجمهوري منقسماً ومشتتاً، كقارب بلا بوصلة أو بمن يمسك دفته ليقوده إلى مياه آمنة. ومع ذلك، ورغماً عن كل ذلك، فإن احتمال اتهامه من قبل الكونغرس ضعيف لقصر المدة الزمنية أولاً، ولأن الجمهوريين مهما ضعفوا أو انقسموا ليس معروفاً عنهم تاريخياً التخلي عن رئيسهم ورميه للذئاب. وثانياً، هناك احتمال عودته إلى الخشبة السياسية بأسرع مما نظن، مالم يتم اتهامه من قبل الكونغرس.

وفي حالة عودته، فإنني شخصيا أتكهن ألا يكون ذلك من خلال الحزب الجمهوري، بل ربما عبر تأسيس حزب سياسي جديد، تتاح له فرص تصميمه على مزاجه ووفق رغباته خلال وقت قصير نسبياً، يمكنه من العودة، محمولا على ظهور أنصاره، إلى حلبة التنافس على الرئاسة المقبلة العام 2024.

تبقى أخيراً إشارة وتعليق حول الذين كبروا وهللوا شماتة، في مناطق عديدة في العالم، بما حدث في واشنطن. وهم بالطبع كثر، وبتوجهات سياسية مختلفة وبأهداف متضاربة ومتنافسة، إلا أن السرور بما قد يحدث للديمقراطية من نكسات يوحدهم. وبالتالي، يكون من الأفضل تجاهلهم وغض الطرف عنهم لأن الحكمة تقول إن الأعداء لا يخونون، ولأننا على علم ودراية بمن هم وما يمثلون. والعزاء للديمقراطيين، في كل بلدان العالم، هو أن الديمقراطية ومؤسساتها في أميركا تمكنت، وفي ساعات قليلة من التغلب على ما حدث، وأحكمت قبضتها من جديد، بما لا يسمح بعودة عقارب الساعة إلى الوراء.