Atwasat

من هو الخبير؟

الهادي بوحمرة الثلاثاء 12 يناير 2021, 01:11 صباحا
الهادي بوحمرة

هل لدينا خبراء؟ سؤال كان عنوانا لورقة موجزة طرحها الدكتور نجيب الحصادي في لقاء ثقافي في كلية القانون جامعة طرابلس بمناسبة تكريم الدكتور الكوني عبودة، ونحن بدورنا نقول إن مقدمة الإجابة على هذا السؤال إجابات عن أسئلة أخرى منها: من هو الخبير؟، وهل يختلف وصف الخبير من مجال إلى آخر؟. ومن فوائد ذلك أن مصطلح الخبير في حد ذاته مصطلح يثير الاطمئنان، وإلحاقه بشخص يجعل الناس يميلون لقوله ويطمئنون له، ويستندون إليه، ويتخذونه مسوغا للدعم أو للمعارضة، ويندفعون إلى رفض ما يرفضه، وقبول ما يقبله، فهو مفتٍ في مجاله وقوله حجة، لذلك فإن من أسباب الزلل الخطأ في وصف الخبير، ومن فواتح الخداع ومداخل التلبيس على الناس وحجب الحقائق تعمد إسناده إلى غير أهله. وبدون الدخول في تعقيدات ما سبق من أسئلة، ومن أجل اتباع طريقٍ نظن أنه مفيد، وإن لم يكن كافيا، من الممكن أن تتم محاصرة المصطلح في بعض المجالات عن طريق استبعاد ما لا يجب أن يدخل فيه.

ومن واقع تجربة الليبيين خلال السنوات العشر العجاف الأخيرة، فإنه يمكن القول بأنه لا يكفي لوصف الأكاديمي المتخصص بالخبير حسب عدد السنين التي أمضاها في التعليم في مجال تخصصه، ولو أودع محاضراته الكتب، فقد تكون خبرته هي خبرة سنة تكررت بتعاقب السنين، وتجاوزها الزمن، إذ إن هناك بونا شاسعا بين سنوات العمل وسنوات الخبرة، كما لا يوصف بالخبير من لا يستطيع الخروج من أوراقه، ويكتفي برؤى نظرية يستنسخها المؤلفون، ويحاول أن يقطع بكونها حلولا لبلد لا يفهم تفاصيله ومكوناته واحتياجاته وجذور صراعاته، ويبني رأيه على معرفة سطحية لمشاكله وإشكالياته، فالحكم على الشيء جزء من تصوراته، وفرع من إدراك غاياته، والتبصر في مآلاته. ولا يصح أن يوصف بالخبير من يقطع بحل لا ثاني له في مسائل ظنية، وينزلها منزلة المسائل القطعية، ويقرن قوله بالجزم واليقين، وينكر على غيره الاختلاف فيه، فكل رأي قابل للخطأ والصواب، والقاعدة هي حظر الإنكار في مسائل الاجتهاد.

ولا يوصف بالخبير من ليس لديه مرونة وقدرة على المواءمة بين تصوراته وخطوات حله وتغيرات الواقع، فالتلازم قائم بين الخبرة والتفرد والتكيف، ولا يستقيم أن يدخل في فئة الخبراء من لا يدرس كل الخيارات الممكنة، أو من يذهب بعيدا بتقديم تصورات لا تؤخذ معوقات إنفاذها في الاعتبار، فقول الخبير قد يدفع الجماعة إلى التقدم للإنجاز أو إلى التراجع عنه، وبيانه قد يكون سببا في الهداية أو في الضياع، وليس من الخبراء من يبدي مهارة في حل المشكلات المألوفة، ويعطي إجابات عن القضايا المعتادة، ويظهر تواضع قدراته في إدراك ومواجهة الجديد منها. فمن غير المناسب إلباس ثوب الخبير لمن لا قدرة له على الابتكار، أو لمن برفض كل حل لا يجد له نظيرا في أوراقه، أو فيما اطلع عليه من تجارب السابقة، وينعت من يقدمها بالبدعي، فالمقلدون والشارحون على المتون قد يكونون على دراية واسعة بمجال تخصصهم؛ إلا أنهم ليسوا بخبراء.

ومن المفاسد الظاهرةإضفاء وصف الخبير على من يتجنب الناس نقاشه اتقاء لسانه، وعلى من خطابه خطاب تبرير أو تحريض على الكراهية والإقصاء والتمييز والعداوة والبغضاء، و من نهجه زرع الشكوك فيما يقدمه غيره، ويسعى إلى هدم ما يبنيه الآخرون؛ دون أن تكون له قدرة على تقديم أي بديل، وعلى من يتعمد الترصد للآخرين والمبالغة في قدحهم، فهي من موانع الثقة والنزاهة والحيدة، ولا يستحق وصف الخبير من يعتمد على كلام مرسل لا دلالة واضحة له، ولا وجود لأدلة تسنده، ودون أن يسبق قوله بالدراسة والتمحيص، وليس بخبير من لا يملك القدرة على ترتيب الأولويات والتمييز بين الأساسي والهامشي، ولا من يضخم مسائل هامشية، ويدفع بها من أجل إسقاط مسارات حيوية.

كما أن من المصلحة إسقاط وصف الخبير عمن يغالي في مدح الذات أو الآخرين، ويحاكم النيات، في مقابل قدح الأشخاص بدل رؤاهم وأفكارهم، ويتعمد إخراجها عن سياقها، ويطلق الأحكام جزافا، وعمن يختلق النسب والأرقام، ومن ينصب نفسه لسان حال الناس فيقبل باسمهم، ويرفض باسمهم دون دراسات تُجرى أو استفتاء يقام.