Atwasat

حقوق الإنسان الليبي؟

أحمد الفيتوري الثلاثاء 12 يناير 2021, 01:06 صباحا
أحمد الفيتوري

لأننا لم نختر ميلادنا من آبائنا،

كذلك لم نختر وجودنا في أوطاننا،

أوطاننا، إذا، كآبائنا،

ليست هبة مقدسة فقط،

ولكنها أقدارنا.

إبراهيم الكوني

إن المجتمع الليبي الذي ننتمي إليه، والذي بالتالي يخصنا مستقبله كما خصنا ماضيه، قد كان سباقا في فترات تكوينه الأول، إلى استحداث السبل لحل مشاكله وطرح قضاياه. كون مؤسسات غير حكومية منذ البدء، ساهمت في تربية وتعليم النشء ومحت أمية الكبار، وحافظت على كرامة الكثيرين بإيوائهم، ومن ثم شاركت في تكوين المؤسسات العامة، وقدمت الكثير من الرجال والنساء الذين ساهموا وسيروا مثل هذه المؤسسات .

لقد تكونت في فترات العوز والظرف الصعب: جمعيات ونواد ومنتديات تكفلت بتقديم المشورة والعون، وساهمت في تنظيم المجتمع، لعل من أهمها وما تبقى منها حتى يومنا هذا: جمعيات الكفيف وحركة الكشاف وجمعية الهلال الأحمر ونقابات العمال والمحامين.. وغير تلك .

وقد حرص المجتمع على استصدار القوانين المنظمة، لتأسيس احتياجاته من مثل هذه المنظمات، وكفلت كل وثائقه هذا الواجب في التأسيس، قبل أن تشير هذه القوانين ولوائحها إلى الحق في ذلك. لهذا لم تتوقف هذه المهمة الضرورة الاجتماعية والثقافية والسياسية في أي وقت، وقد زادت مثل هذه المنظمات غير الحكومية ولم تنقص البتة، تنوعت حسب الحاجة في الزمكان، وتطورت المؤسسات غير الحكومية القائمة منها، وقدم المجتمع من خلال مؤسسات دولته، كل العون الذي ألزمها به القانون أو الواجب، وكفلت القوانين التي صدرت فيما بعد، ودائما، هذا الواجب/الحق في التكوين والتأسيس لمثل هذه المنظمات .

ومن طبيعة هذه المنظمات دائما انتفاء الصبغة السياسية والآيديولوجية، حيث هي منظمات تؤسس من الطيف الاجتماعي، تقدم خدماتها لكل الطيف، خير مثال جمعية الهلال الأحمر ومثلها الجمعيات العلمية والثقافية المتخصصة، التي جميعا في جوهر تكوينها، أنها مؤسسات مجتمعية مدنية تنتفي الصبغة الرسمية عنها. هي مؤسسات خدمية معنوية ومادية، تقدم العون للمجتمع عبر أفراده ومؤسساته الشبيهة لها، دورها المعنوي بارز وفي المقام الأول، حيث يغلب على أهداف مثل هذه المؤسسات التوعية، واجب الفرد اتجاه المجتمع الذي ينتمى إليه. والحاجة لمثل هذه المنظمات في اضطراد، حيث كلما تآكلت المؤسسات التقليدية التي تنظم المجتمعات، ظهرت مؤسسات تسد الفراغ وتكفل مسيرة المجتمع، وكذلك مع ظهور احتياجات ووعي مستجدين .
لقد بدأ المجتمع الليبي مؤخرا تطوير مؤسساته وتحديثها، وتحويل الكثير من الالتزامات العامة إلى الخاصة في الجانب الاقتصادي، مما توجب إجراءات في الخصوص تمس المجتمع، وبالتالي استحقاقات اتخذت صيغا جديدة، وتبعات ملزمة على الفرد الذي يقدم الخدمات والذي يجني الأرباح.. وغير ذلك .

من هنا تتوجب وقفة جديدة وجادة، فلقد لزمت التحولات حقوق كما لزمت واجبات، فظهرت علينا منظمات مجتمعية (غير حكومية) في مجالات عدة. وظهرت لهذه المنظمات منابر عبرها قدمت أدبيات ومعلومات مستجدة. وهذه لم يكن ثمة عوائق تحول دون تأسيسها نظريا وإجرائيا، حيث تتوفر في المجتمع الليبي من القوانين ما يكفل حرية المجتمع في أن ينظم نفسه في مؤسسات كهذه، وعضيدها في ذلك كما أسلفنا مرجعية تراثية وتاريخية وسوابق إجرائية ومفاهيم نظرية .

لعل من أكثر المنظمات المجتمعية، التي تثير لغطا على المستوى النظري كما الإجرائي، منظمات حقوق الإنسان.

دعونا نتأمل هذه المنظمات في جوهرها، ونتساءل معا: أليس جوهر مثل هذه المنظمات كفالة حقوق الفرد، ضمن المبادئ الأساسية التي تقرها الأعراف الإنسانية والدينية والاجتماعية، وبالتالي ضمن القوانين التي تراعي هذه المبادئ؟ أي كفالة حقوق الفرد عند الجماعة، كما نكفل حق الطفل في الأسرة، وحقوق اللاعب في ناديه، وحقوق المستهلك أمام الشركات المنتجة، وبالضرورة كفالة الحقوق القانونية أمام المؤسسات التنفيذية .. وغير ذلك؟.

من هذا فإن اللغط الذي يدور حول هذه المنظمات، يتم من خارج مهمة مثل هذه المنظمات، أي يتم من منطلقات ذات صبغة سياسية أو أيديولوجية ما. أما أن المجتمع يكفل للفرد حقوقه فهذه بالضرورة من واجباته. كما من الضرورة أن يكفل للفرد، أن يقول رأيه عبر كل الوسائل الممكنة: حتى على الحائط أو شعرا شعبيا أو منثورا، إن لم تتوفر له إمكانية أن يصدر صحيفته بأية طريقة ممكنة. لهذا إن لم يوفر المجتمع منظمات مجتمعية لذلك، فإن الفرد يستحوذ على حقه بكل السبل حتى في المراحيض والتكوينات البدائية، لأن ذلك ما يسر مسيرة المجتمع في حدها الأدنى .

هذه الحقائق هي من بنى مخيال المجتمعات الحديثة، حتى التي تعيش منها في حالة طوارئ دائمة، وتتخذ كل السبل لتحقيق الحد الأدنى من دفعاتها للاستمرار، والحياة ماكرة ومخادعة في الحصول على سبل الديمومة .

من هذا فإن الدعوة ملحة في الآن، لتكوين جمعيات حقوق الإنسان حقيقية، وليست مجرد ديكور، و أكثر من جمعية، كي يقوم جمعها بمراعاة حقوق الأفراد، انطلاقا من المبادئ السائدة التي كفلتها مواثيق المجتمع الليبي أولا، ومن منطلق المواثيق الدولية التي صادق عليها هذا المجتمع، و لأجل مراجعة دائمة من أجل مصداقية هذه المواثيق، في الواقع العيان ولس الواقع الكلام، كذلك من حيث عدم تضارب القوانين المشرعة، فيما مضى وما هو آت مع مبادئ هذه المواثيق جملة .

لا بد من العمل الدؤوب على تكوين هذه المنظمات الأهلية الحقوقية، وأن تكون لدينا أكثر من منظمة مجتمعية في الخصوص، خاصة وأن القوانين الليبية تكفل تكوين مثل هذه المؤسسات دون تحرز و لا حرف "إلا" الاستثنائي السيء السمعة .

وأخيرا، فإنه علينا أن"نناضل في الفترة الوجيزة المنوطة بنا بفاعلية بكل ما أوتينا من قوة. فليس في إمكاننا أن نلوم أحدا أو نعظ أحدا، ولكن علينا أن نستجيب إيجابيا، لأن نكون أنفسنا في جزء من العالم لا ينتمى إليه أحد سوانا"، أو كما يقال.