Atwasat

بَلبَلة!!

صالح الحاراتي الإثنين 11 يناير 2021, 12:21 مساء
صالح الحاراتي

هناك عبارات مشهورة وكثيرة الاستخدام، رغم أن استعمالها يبدو لى على غير صواب، ولتكن البداية بعبارة: "بلبلة الجماهير" !

كنت صغيرا وأنا أسمع جملة بلبلة الجماهير أو بلبلة الرأى العام، وذلك من طرف إعلام الدولة وهي تقوم بالهجوم على أي تحرك ضد السلطة القائمة .

أما من ناحيتي فكنت حينها أعرف، وبحسب لهجتنا العامية، أن معنى يبلبل: يعزف على آلة المزمار (المقرونة) ولا حرج فى ذلك. بل نستخدم لفظ "مبلبلة" تعبيرا عن حسن الحال، إذ لو سألت أحدهم عن حاله لأجابك "مبلبلة"!! أي فى أحسن حال… وحتى "الفلفل الحار عند تمام نضجه وتحوله إلى اللون الأحمر يسمونه فلفل مبلبل" ؛ لكل ما سبق كنت أستغرب إيراد الإعلام عبارة "بلبلة الرأى العام" باعتبارها شيئا سلبيا.

كنت أستغرب وأقول ؛ أليست البلبلة أمرا جيدا، أليست البلبلة أيضا استحضارا لصوت البلبل، ذاك الطائر الصَغير الذى يضرب به المثل في حسن الصوت.
ولكن انتهى اللغط عندما عرفت لاحقا أن بَلبَلة: مصدر بَلْبَلَ.

فلو قلنا (أَحْدَثَ في صُفوفِهِمُ البَلْبَلَةَ) أي أحدث الارْتِباكَ وَالتَّشْوِيشَ والفَوْضَى.. وَسادَتْ بَيْنَهُمْ بَلْبَلَةٌ لا أَوَّلَ لَها ولا آخر.. من ذلك تفهمت استخدام إعلام السلطة حينها لتلك العبارة.
نأتى إلى عبارة قريبة لسابقتها، بل لصيقة بها، وهى :
* زعزعة الاستقرار
هى عبارة ليست أقل شهرة وترددا، وتصب فى نفس الحالة أو موازية لبلبلة الرأى العام .(زعزعة الاستقرار).. حيث الزعزع هو صوت الريح الشديدة. "هَبَّتِ الزَّعازِعُ": الرِّياحُ الشَّديدَةُ. والزعزعة أيضا: صوت الخيل؛ وصوت الشجر تحركه الريح بقوة، ومن هنا جاءت العبارة لوصف أي حراك ضد أي سلطة قائمة ..وزعزعة الاستقرار تعني كل ممارسة متعمدة تستهدف استقرار وأمن حكومة ما أو بلد ما، خاصة من قبل منشقين أو متمردين داخل البلد، أو من قبل أعوان قوة خارجية تريد الإطاحة بحكم ما..
وقطعا هناك حركات متطرفة تهدف إلى زعزعة الاستقرار، والإخلال بالنظام العام، وتسعى للنيل من أمن البلاد، ونشر الفوضى، وتعطيل عجلة التنمية.. تلك مسألة حقيقية. ولكن لا يجب أن تكون تهمة زعزعة الاستقرار سيفا مسلطا على أ حراك سلمى يدعو لتحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية.

فى تقديرى ... (فى مناخ الاستبداد يمارس الإكراه والظلم من خلال التفنن في اللجوء إلى استخدام عبارات تبريرية لا حصر لها مثل :تكدير الرأى العام"، "الخروج على الآداب"، "الحفاظ على تقاليد وثوابت الأمة"). وما إلى ذلك من عبارات فخيمة فضفاضة يتم تفسيرها حسب رأي السلطة القائمة لأجل ممارسة القمع .

هناك عبارة لها معنى يختلف عما هو سائد :مثل عبارة "متلون كالحرباء".. إذ من المعروف والسائد أن الحرباء تعمل على محاكاة الوسط المحيط بها بشكل أكبرعندما تكون فى حالة خطر أو بصدد مواجهة حيوان مفترس.. ولكن استخدامنا عبارة "متلون كالحرباء" لوصف من نرى أنه ذو شخصية متقلبة ومتلونة ومتحولة إلى حد ما.. يعني أننا نفهم مسألة تغيير الحرباء لونها بشكل خاطئ.. خاصة أن هناك مقاربة وسببا آخر غائبا عنا..!! وهو رأي علمى يقول إن الحرباء ليست دائما تغير لونها فى حالة الخطر أو التماهي مع الوسط المحيط بها، ولكنها حينما تخوض غمارعملية تغيير لونها، قد يكون بسبب أنها في حالة استثارة جنسية وتبحث عن شريك للتزاوج..!

وهذا أمر ينفي إطلاقا صوابية استخدامنا لفظ (متلون كالحرباء) .
وأخيرا، أشيرهنا إلى أن ليس كل من غير رأيه وموقفه إنسان سيء، بالعكس، ليس هذا عيبا وﻻ منقصة.. وﻻ بأس به. بل الشجاعة أن يغير الإنسان رأيه فى أمرما إذا تبين له خطأ رأيه وموقفه.