Atwasat

تأثير النزاعات على واقع المرأة في ليبيا قراءة أولية (1_ 3)

عبير أمنينة الأحد 10 يناير 2021, 12:54 مساء
عبير أمنينة

لم يتم التخلص من نظام العقيد القذافي في فبراير 2011 بيسر وسلام، حيث كلف التغيير الليبيين الدخول في حرب مواجهة ضد قواته، نجحوا بمساعدة حلف الأطلسي في الإطاحة به. ولقد نجم عن هذه الحرب وتداعياتها على مدى سنوات اختلالات عديدة سببت الكثير من الانقسامات الجهوية، القبلية وأيضاً السياسية، وتوجت بمواجهات عسكرية بين أبناء البلد الواحد.

تزامنت هذه الحالة من عدم الاستقرار مع إرساء مؤسسات سياسية أنتجت خمس حكومات انتقالية، عجزت في مجملها عن نزع أسلحة الميليشيهات وتحقيق الاستقرار، ولقد زاد الأمر تأزماً بعد أن تم الانقلاب على شرعية مجلس النواب المنتخب يونيو 2014، الذي أدخل البلاد في فوضى سياسية وأمنية عارمة، زاد فيها انتشار السلاح وفقدان السلطة المركزية الموحدة على كامل التراب الوطني، ناهيك عن انتشار الجماعات الإرهابية كتنظيم الدولة الإسلامية وأنصار الشريعة وغيرها .

ودخلت البلاد في حروب اكتست في بعض المناطق طابعا أهليا وأخرى طابعا آيديلوجيا، نجم عنها موجة من النزوح عن المدن، والانقطاع عن العمل، وأيضاً فقدان الأسر بعض أفرادها نتيجة المشاركة في القتال أو كضحية فيه، وارتفعت مؤشرات البطالة والتفكك الأسري، ناهيك عن شيوع ظاهرة زواج القاصرات.

لقد لمست هذه النتائج بآثارها المرأة، فكانت ضحية للإخفاء القسري وللقتل ولكافة أشكال العنف الجسدي واللفظي من المحيط العائلي وكذلك من الفضاء العام .

ونحن خلال هذه القراءة الأولية الخاصة برصد واقع المرأة في حالات النزاع المسلح، إذ نقر بصعوبة الإلمام بالبيانات من مصادرها الأصلية لعدم اهتمام كثير من الجهات والمنظمات بتوثيق عملها، إلا أنه حسبنا تناول بعض الظواهر التي زادت من معاناة النساء جراء هشاشة الوضع الأمني واندلاع الحروب، علما بأنه قد تم بقدر الإمكان التعامل بحذر مع البيانات ضعيفة المصدر.

هذا، و تجدر الإشارة إلى أننا سنركز في المقام الأول على الوضع في مدينة بنغازي، والذي يعكس نموذجاً يمكن التعميم من خلاله على بقية المدن وذلك للأسباب التالية :
- انطباق حالة عدم الاستقرار، التي عاشتها المرأة وتعيشها في ليبيا نتاج الحرب الطويلة التي اندلعت في أكثر من إقليم، على الحالة في بنغازي.
- نزوح أكثر من (50) ألف أنثى من مختلف الشرائح العمرية نتاج الحرب ضد الإرهاب.
- احتضان المدينة لعدد كبير من مهجري مدينة تاورغاء.
- سوء الأوضاع الاقتصادية، الصحية والاجتماعية وشيوع حالة عدم الاستقرار.

اولاً/ المرأة كأداة حرب وتصفية الحسابات السياسية
اُستخدمت المرأة في الأيام الأولى للمواجهة مع قوات نظام القذافي، وأيضاً في المراحل الانتقالية التي تلت الإطاحة به ، كأداة للحرب وتصفية الحسابات والتنكيل بالخصوم الذين اختلفت صفوفهم ومسمياتهم في كل مرحلة من مراحل الحرب، فلم تسلم المرأة من التعرض إلى التحرش والاغتصاب. فبالرغم من ضخامة العدد الذي تم نشره من قبل أحد المصادر للمغتصبات على أيدي قوات نظام القذافي والموالين له والذي يربو على 8 آلاف مغتصبة، إلا أننا نتحفظ وبقوة على هذا الرقم المنفلت علمياً وموضوعياً، والذي تم استخدامه سياسياً وانتهازياً بشكل غير مقبول، وإن كنا لا نستطيع أن نوثق الرقم الفعلي للنساء المغتصبات طوال فترة الحرب التي امتدت سنوات (لعدم وجود اعترافات من النساء اللائي تعرضن للاغتصاب خوفاً من الوصم بالعار)، إلا إنه بالإمكان تبني ما أعلنته رئيسة لجنة المغتصبات والمعنفات في فبراير 2011 (المنشأة من قبل وزير العدل 2012) السيدة سحر بانون، بأن العدد الحقيقي لا يتجاوز 1% من المصرح به وهو عدد المغتصبات اللائي تقدمن بشهادتهن إلى اللجنة المعنية، وأرسلت صورة من ملفاتهن للنائب لعام.

وبغض النظر عن العدد الحقيقي، يجب التأكيد على أن هناك عنفا جنسيا مورس ويمارس على النساء، والأنكى من ذلك أن الضحايا من النساء لم يخضعن لأي علاج نفسي، وتحملن ازدراء الجميع بمن في ذلك أفراد العائلة، مما ساهم في تأزم حالتهن النفسية خاصة ممن تعرضن للاغتصاب واحتفظن بهذه التجربة القاسية لأنفسهن.

ثانيا/ حالة النزوح والتهجير وأثرها على وضع المرأة
بدأت موجات نزوح السكان في ليبيا من مناطقهم إلى مناطق أخرى مع بدء المواجهات المسلحة في فبراير 2011 مع قوات النظام السابق، منهم من عاد إلى دياره بعد إعلان سقوط النظام (أكتوبر 2011) لاستقرار الوضع نسبياً، ومنهم من بدأ رحلة شتات أخرى مثل سكان تاورغاء الذين تم تهجيرهم قسراً من قبل الجماعات المسلحة في مصراته. لم تتوقف حالة النزوح (بإعلان التحرير) من قبل المجلس الوطني الانتقالي في أكتوبر 2011، بل اتسعت رقعته بعد انطلاق بعض المواجهات القبلية في غرب البلاد وتهجير السكان، وإن لم تستمر حالة النزوح طويلاً قياساً إلى نزوح سكان سرت، التي انطلقت فيها المواجهات العسكرية لمحاربة الجماعات الإرهابية. وبشكل أوسع نزوح ثلث سكان مدينة بنغازي عام 2014 التي استمرت فيها محاربة تنظيم الدولة والجماعات المتطرفة ما يربو على ثلاث سنوات، وأخيرا نزوح حوالي (130 ألفا) من أهالي طرابلس مرة أخرى في أبريل 2019 جراء إعلان الحرب عليها.

كان للنزوح تداعيات ثقيلة على الليبيين عامة والنساء بشكل خاص، ففي مدينة بنغازي على سبيل الذكر نزحت أكثر من 19960عائلة من ست مناطق دارت فيها رحى القتال، تم فيها تقدير العدد الإجمالي للنازحين80000 نازح ونازحة (وفقاَ لإحصائيات الهيأة الليبية للإغاثة والمساعدات الإنسانية)، تُشكل فيها الإناث حوالى النصف وأحيانا تفوق عدد الذكور، ولقد قطنت حوالي 802 عائلة المدارس، شكلت النساء فيها نسبة 51% .

كما نجد ضمن هذا العدد نساء بدون عائل (كالمطلقات والأرامل) اللائي لم يجدن إلا المدارس كمحل إقامة لهن، لعدم مقدرتهن على دفع الايجارات الخاصة بالسكن المستقل، أو لرفض العائلة غالباً استقبال الأم مع أبنائها .