Atwasat

استعدوا للرحلة 2021

جمعة بوكليب الخميس 07 يناير 2021, 12:49 صباحا
جمعة بوكليب

رحلة الطائرة المخطوفة رقم 2020 حطت، أخيراً، على الأرض ووصلت بما تبقى من حمولتها البشرية إلى بر أمان، بما يعد، حتى الآن، في حكم الموقت عقب أشهر عصيبة ومحزنة ومرهقة. وآن لمن بقوا، على قيد الحياة من المسافرين، على متنها، أن يحمدوا الله على سلامتهم أولاً وأن يترحموا ثانياً، على من قضوا، ممن شاركوهم الرحلة، ولم يحالفهم حظ بالنجاة.

الحياة رحلة سفر، تقصر وتطول. والسفر كما تؤكد ذلك حكمة قديمة، قطعة من عذاب. ما يميز رحلة الحياة أنها تبدأ من نقطة زمنية معلومة بصرخة جزع وزغرودة فرح، وتنتهي في نقطة زمنية مجهولة بحزن ودمع. وما بين البداية والنهاية، تتداخل وتختلف وتتمايز المصائر، والأقدار، والحظوظ. لكن في العام 2020، كادت المصائر والأقدار والحظوظ تتوحد، وصرنا جميعاً كبشر مهددين باحتمال الإصابة بالوباء وإمكانية الموت. وبالتالي، كأننا تحولنا فجأة، إلى مسافرين على متن رحلة طائرة خطفت في الجو، من قبل جماعة إرهابية غير معروفة من قبل، أطلقت على نفسها اسم حركي «كوفيد 19». الطائرة ظلت تحوم، بحمولتها المرتعبة، في الفضاء، لاجئة من سماء إلى سماء، طيلة تسعة أشهر، طلباً لأمان أشد مكراً وحيلة من كل ثعالب الأرض. وركابها المرجفون بعضهم قتله المخطوفون بلا رحمة، ومن بقوا أحياء منهم، ظلوا تحت تهديد الموت من قبل المخطوفين، أواحتمال سقوط الطائرة وهلاكهم.

وها نحن الذين كتب الله لهم النجاة من تلك الرحلة المهلكة، وقد استعدنا أنفاسنا، وذهبت حيرة عقولنا، نتهيأ معاً لمواصلة رحلة أخرى، جديدة، تحت رقم 2021، إلى جهة مقصودة، مبتهلين إلى الله، سراً وعلانية، أن يقينا شر تقلبات الطقس والوقت، وكيد الكائدين، وأن يوصلنا بسلام وأمان إلى حيث نريد ونتمنى ونشتهي. لأننا، بعد عذاب الرحلة المميتة السابقة، في حاجة ماسة إلى رحلة هادئة، تعيد إلى قلوبنا ما فقدت من طمأنينة، وتبعد عنها شبح الخوف والرعب، وتجعلنا قادرين على الاستمتاع بما يتاح لنا، خلال الرحلة الجديدة، من طيبات دنيوية.

لكن، على ما يبدو، ومن خلال ما مر بنا من تجارب سابقة، فإن حلمنا برحلة هادئة ومسالمة وخالية من التهديد بالموت، لا تختلف عن حلم إبليس بالجنة. ورغماً عن ذلك، ليس بمستطاعنا التخلي عن الأمل؛ لأن المسافر حين يقرر البدء برحلة أخرى، يتوكل على الله، ويغادر مأمنه يحدوه أمل، رغم علمه بمصاعب الطريق، بالوصول سالماً غانماً إلى جهة مقصودة، وغاية منشودة، إذ لو لم يكن لديه أمل بإمكانية تحقيق تلك الغاية المرجوة، لما اختار الرحيل والسفر. ونحن جميعاً مسافرون في قارب الزمن، يشق بنا أمواج بحار عديدة، مجهولة. لذلك، فإن سفرنا، سواء طال أم قصر، مختلف، وجهاتنا المقصودة تحددت، ولكن ليس من قبلنا. وما نرتاده من طرق، أوما نستخدمه من وسائل مواصلات ليس من اختيارنا. ومعرفتنا بشروط اللعبة، وإن كانت مجحفة وفي غير صالحنا، تجعلنا نقبل الرهان مرغمين، ونختار المغامرة أو المقامرة، بإرادتنا. يحدونا أمل في فوز موعود ومأمول، وفي الوصول إلى مرسى آمن وأخير: مبتغانا، حيث يكون بإمكاننا تنفس الصعداء، والاستمتاع بتذوق طعم راحة أخيرة وهانئة ومنشودة.

كل عام وأنتم بخير أيها السائرون على طريق الحب والسلام، في شعاب ومسالك طرق أرض صعبة، لكي تشيدوا بعزمكم أوطاناً تكون ملجأ آمناً للمحبة. وأنتم أيها العاملون في صمت من أجل غد أفضل لبني البشر، طوبى لكم. كل عام جديد وأنتم بخير وسلام أيها المسافرون، الذين اختاروا رحيلاً دائماً؛ بحثاً عن يقين مراوغ، وحلم لا يخون بوطن يستريحون فيه من تعب كهولتهم وغربتهم، تحت ظلال جريد نخيله، وأغصان شجر زيتونه، وتينه.

كل عام وأنتم بخير وتألق أيها المبدعون الحالمون، وأنتم تحملون ثقل أمانة كلمات تنبض بحنو بين أضلاعكم، وفي حنايا قلوبكم.

أيها المستضعفون، في مشارق الأرض ومغاربها، كل عام جديد وأنتم بخير حتى ترثوا الأرض. وكل عام وأنتِ بخير، أيتها المرأة العجوز، المسجونة بين جدران شقة، معلقة بالدور الثالث، في الظهرة، في عمارة متآكلة بطرابلس، في انتظار وصول غائبين غيبهم الوقت.

كل عام جديد وأنتم جميعاً بخير وسلام ومحبة.