Atwasat

ما لا يقال.. فشل السياسة..!

عبدالواحد حركات الإثنين 04 يناير 2021, 02:02 صباحا
عبدالواحد حركات

المواعيد مع الفشل دائما محتومة!.

كيد الآخرين والمؤامرة مجرد وهم وشيطان أطلقه العروبيون من قمقمه وتورطت فيه الشعوب، إبان ترسيمهم لهوية ما بعد الاستعمار وانخراطهم الانفعالي في معسكر الشيوعية والتجند الطوعي في سرب الاتحاد السوفيتي، كتعميق لهوس رد الفعل ضد الدول الاستعمارية وأخذ ثأر معنوي لجرائم المستعمرين، فأذهان العربيين وعيونهم السياسية لم تكن ترى سوى النصف الفارغ من زمن الاستعمار ..!

لا يفترض منطقيا صب جام سخطنا على العروبيين، وإن كان ذلك سيحدث فبسبب عبثهم الدعائي بقضية الشعب الفلسطيني وتحويلهم القضية إلى قميص عثمان لشرعنة عبثهم الثورجي..!
خلطة السياسة التي أعدها العربيون لم تكن متمازجة أو متناسقة ولا مفيدة، إذ كانت التبعية الثورجية والآيدلوجية والانخراط في القطبية الثنائية العالمية جوهر السياسة من الخليج إلى المحيط، ولم يطرح أي خيار آخر أو بديل للتعسكر خلف السوفييت أو خلف الأمريكان، ولم يتأتَ المجال لخلق مناخ سياسي مناسب لتكوين ساسة قادرين على استجلاء غموض المستقبل، أو وضع أسس جيدة لترسيخ مبادئ ونظم ناجعة..!

كان الفشل دائما سيد القواعد، وكان تخبط السلطات وزرا إضافيا على شعوب لم تجد من المدنية عدا رائحتها، ولم ترَ من الدولة والنظم والمؤسسات سوى راياتها وشعاراتها، فكل دول المنطقة في حقيقتها هي دول افتراضية، ما يميزها عن العشيرة هو تمثيلها الخارجي فقط، فالمؤسسات والشركات وكذلك كتائب الأمن والحرس بمختلف مسمياته ذات تكوين نجوعي عشائري قبلي بامتياز، فالدولة هي القبيلة التي تحكم في جوهرها وحقيقتها، بل تجاوزت العنصرية حدودها حيث تم التركيز على تشكيل نخب وتأهيلها وتدريبها وإعدادها من قبيلة الحكم لتكون نخبة الدولة وتكون هي النظام بمسمياته الإدارية..!.

لا جدوى من محاولات البدء من جديد والإصلاح، ولا جدوى من السعي وراء سراب التنمية والتطور، فكل ما يجري مجرد رقصات بهلوانية ساذجة واجترار هزلي لإخفاقات قديمة، فما حدث في الماضي سيحدث اليوم وغداً وفي المستقبل أيضاً، فالأعطال والعاهات والعيوب بنيوية متأصلة لا مناص منها، فقد ضاعت فرصة التمدن وعادت الجاهلية تتبختر في بدلة سموكن، والخيام لازالت منصوبة في الفكر وليست على ثرى الأرض القفرة..!.

عاهة غياب المدنية صاحبها وجود شوائب فكر مستورد ومدبلج، إذ تسبب الركض الولائي بين القوتين العالميتين الرئيسيتين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي خلال القرن الماضي في نشوء منظورين فكريين وثقافيين بينهما اختلاف جذري، مما أسهم في تشوه النخب وعطلها وانقسامها وازدواجيتها، فتشكلت منظومة سياسية بدائية متمثلة في سلطة متمترسة بجانب ومعارضة فارة متحفزة بالجانب المضاد، وفخخت المنظومة بشعارات واتهامات متبادلة بأسلوب جاهلي زيري (نسبة للزير) الرؤى، واستمر العزف والنشاز على الأيدولوجيات والعقيدة والانتماء والوطنية والقبلية والأممية والطائفية وغيرها، لتوطين الفشل ورهن المستقبل بالماضي واعتقال الحرية في حظائر الاستبداد الملون ..!.

إن التفرق الإقليمي والشتات بين بلدان المنطقة والانقسامات أضعف السياسة، وجعلها غير قادرة على مواجهة التحديات والأزمات الصغرى والكبرى، فالسياسة هي الخاسرة لأنها لم تجد مجالا لها بسبب سيطرة العروبيين وعسكرتهم للفكر السياسي، وهذا الوضع المتردي الذي نعيشه يشهد على الفشل التام للسياسة والسياسيين في العقود الأخيرة، وهو من أسوأ نتائج فترة حكم العروبيين وأكثرها تجذراً وعمقا وتأثيراً على مشروعات التنمية والتطور، فقد حفر الفشل قواعده على سقف الفكر وتغلغلت في الذائقة وأصبحت جزءا محوريا في ديناميكيات التفكير السياسي والاجتماعي كذلك، وفشل النقد لهذا الأسلوب من السياسة وحالة الجاهلية الفكرية التي تعاش سراً وجهراً وطوعاً وكرهاً في الخروج من الأزمات وتجاوزها، بل أصبح مضمار السياسة مغلقا ودائريا يتكرر ولا يتغير، وبات التغيير حقيقة افتراضية وليست واقعية يمكن عيشها..!.

ميراث الفشل ثقيل جداً وليس أمام ورثته الحاليين والقادمين سوى رمي هذا الميراث، والتخلي عنه وتركه مدفوناً في تراب الماضي ونسيانه كي يستطيعوا العبور للمستقبل فعلاً..!.